بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، نوفمبر 22، 2019

قالوا عن "بوح الروح " الكاتب والناقد د/ السيد إبراهيم



بَاحَتْ رُوحُهَا بِطُولِ الأَزْمِنَةِ والأوْقَاتِ التِي هِيَ بِطُولِ عُمْرِهَا، وبِطُولِ وعَرْضِ الأَمْكِنَةِ التِي شَهِدَتْ وَقْعَ خطواتِها الأُولَى فوْقَ تُرَابِ دُرُوبِ قَرْيَتِهَا الْوَادِعَةِ، وعَلَى أسفَلْتِ الْمَدِينَةِ الْمُتْعَبَةِ بِحكَايَاتِ أهْلِهَا وصِرَاعَاتِهِمْ..
لَمْ تَنْشَغِلْ بِالشَّكْلِ قَدْرَ انْشِغَالِهَا بنَقْلِ المَضْمُونِ الذِي عَانَقَ شَكْلاً جَدِيدًا مِنَ السَّرْدِ الذِي لَيْسَ لَهُ فِي تَوْصِيفِهَا إيَّاهُ غَيْرُ "الْبَوْح"، وكَانَتْ هِيَ "الرُّوح" الْهَائِمَة عبْرَ كُلِّ تَوَارِيخِهَا، وبِحَسبِ سَنَوَاتِ عُمْرِهَا فِي كُلِّ حِينٍ..
تُصَاحِبُ الْكَاتِبَةُ (عَزّة أَبُو الْعِزِّ) تِلْكَ الرُّوحَ وهِيَ متَّصِلَةٌ بِهَا ومُنْفَصِلَةٌ عَنْهَا فِي آنٍ؛ تُجَسِّدُهَا، وتُعَايِشُهَا، وتَرَاهَا، وتَتَأَمَّلُهَا، وتُرَاقِبُهَا تَارَةً مِنَ الدَّاخِلِ، وتَارَاتٍ مِنَ الْخَارِجِ، تَتَعَجَّبُ لَهَا، وتَعْجَبُ مِنْهَا، وتُعْجَبُ بِهَا..
رِحْلَةٌ عَبْرَ مَسَارَاتِ الْحَكْيِ الّذِي يَنْقُلُنَا إلَى أَجْوَاءِ الْقَرْيَةِ الوَادِعَةِ التِي تَعْرِفُ الذِّكْرَ، وَالْحُزْنَ، والْفِرَاقَ، والْفَرَحَ بِالْحَصَادِ، وَالْوَفَاءَ.. وَأَدْخَلَتْنَا عَالَمَ الْمَدِينَةِ بِمَا فِيهِ مِنْ صِرَاعٍ، وزِحَامٍ، وحُبٍّ..
أَدْخَلَتْنَا أَكْوَانَ الدّنْيَا.. وأَوْقَفَـتْنَا علَى حَوَافِّ الآخِرَةِ، ووَضَعَتْنَا بيْنَ مُزْدَوَجَيْنِ لاَ فكَاكَ منْهُمَا: (الْحَيَاة وَالْمَوْت).. فأَرْكَبَـتْنَا مَعَهَا الْقَارِبَ الّذِي مَازَالَ يُبْحِرُ فِي نَهْرِ الْحَيَاةِ.. وغَايَتُهُ مَرْفَأُ الْمَوْتِ.. في رِحْلَةٍ لا تُتْعِبُهَا، ولاَ تُرْعِبُهَا، وَلاَ تُزْعِجُهَا.. وتُطَالِبُنَا بِالسَّكِينَةِ والسَّلاَمِ..
بَوْحُ الْكَاتِبَةِ يَنْقُلُنَا إلَى آفَاقٍ مِنَ الرَّوْعَةِ الْحَقَّةِ التِي يَجِبُ أنْ نَعِيشَهَا نَحْوَ اسْتِبْطَانِ الذَّاتِ، وقِرَاءَةِ أغْوَارِ النَّفْسِ.. والبَحْثِ فِي وَعْيِنَا عَنْ لَحَظَاتٍ مِنْ بَوْحِ رُوحِنَا لِرُوحِنَا... كَانَ هَمُّهَا الأَوَّلُ أنْ تَعِيشَ رُوحَهَا، ثُمَّ تَسْمَعُ بَوْحَهَا، ثُمَّ تَنْقُلُهُ لَنَا؛ لِنُشَارِكَهَا فِيهِ.
فَهَكَذَا كَانَتْ.. وستكُونُ (عَزَّةُ أَبُو الْعِزِّ) حَارِسَةَ الْقِيَمِ، ونَاقِلَتَهَا إلَى أجْيَالٍ بعْدَهَا مِنَ الصِّغَارِ والْكِبَارِ، لاَ تَنْسَى أبِدًا دَوْرَهَا فِي أنْ تكُونَ مُفِيدَةً عبْرَ كُلِّ مَسَارَاتِ حيَاتِهَا.. حتَّى فِي مَحَطَّاتِهَا التَّارِيخِيّةِ الذّاتِيّة.. لا تَمْضِي دُونَ أَنْ تَتْرُكَ أثَرًا يَدُلّ مِنْ بَعْدِهَا علَى الطّرِيقِ الصَّحِيحِ لَيَمْضُوا فِيه.. أو الطَّرِيقِ الْخَطَأ لِيَتُوقُوه..
لِلْمَوْتِ فِي (بَوْح الرُّوحِ) مَذَاقَاتُه الإنْسَانِيَّةُ الْمُتَبَايِنَةُ التِي عَاشَتْهَا الكَاتِبَةُ مُعَايَشَةً فِي الْوَاقِعِ، ومُعَايِشَةً مُسْتَعَادَةً علَى الْوَرَقِ؛ فَكَانَتْ كَأَنّهَا طَازجَةُ الْحُدُوثِ...
الْمَوْتُ هُنَا لاَ يُصَاحِبُهُ لَوْنٌ وَاحِدٌ؛ فَفِي كُلِّ بَوْحٍ مِنَ الرُّوحِ سَنُقَابِلُهُ... عبْرَ: "ابْنُ مـوت"، و"بِنْت سبْعَة"، و"الْقَبْضَة"، و"بَيْنَ الْحَيَاةِ والْمَوْتِ"، وَ"عَائِدَةٌ مِنَ الْمَوْتِ"، و"نُعُوشٌ طَائِرَةٌ".
كَمَا سَتُقَابِلُنَا اللَّحْظَةُ الْوجْدَانِيّةُ عبْرَ موتيفات مُختلفة أيْضًا، غَيْرَ أَنَّهَا تَعَامَلَتْ مَعَهَا بِمَنْطِقِ كَسْر الْبَدَاهَةِ التِي يتَوَقّعُهَا الْقَارِئُ، وَسَيَكُونُ هَذَا عبْرَ بَوْحِ "أَدْرَكنَا الْغُرُوب"، وَ"أَصْدَاءُ الصَّمْتِ"، وَ"لَيْلَةُ الْحَصَادِ"، ويَتَعَانَقُ الْوجْدَانُ مَعَ اللَّحْظَةِ الْفَارِقَةِ والْقَدَرِيَّة فِي الْحَيَاةِ عَبْرَ بَوْحِ "قَــــــرَارٌ"، و" أُمّنَا الْغُولَة".
يَبْدُو أَنّ بَوْحَ الْكَاتِبَةِ لَمْ يَأْلَف الْوَفَاءَ فِي بَنِي الْبَشَرِ مَعَ مَنْ هُمْ مِنْ جِنْسِهِمْ؛ فَجَعَلَتْ تِلْكَ الْقِيمَة الْعَالِيَة الرّاقِيَة بَيْنَ الْكِلاَبِ وَالْقِطَطِ والْبَشَرِ فِي بَوْحَيْنِ رَائِعَيْنِ، هُمَا: "الْحَارِسُ الأَمِينُ" و"الطَّــــوَّاف".
كَمَا تُصَوّرُ الْكَاتِبَةُ (عَزّة أَبُو الْعِزّ) الْعَلاقَةَ الْمَتِينَةَ بيْنَ الْبُطُولَةِ والْفِدَاءِ التِي يَتَقَاسَمُهَا الرَّجلُ الْمِصْرِيّ والْمَرْأَة الْمِصْرِيّة علَى اخْتِلاَفِ عُمْرَيْهِمَا وتَعَامُلهِمَا مَعَ الأَرْضِ، واخْتِلاَفِ الْمُغْتصِبِ إِذَا كَانَ مُعْتَدِيًا مِنَ الْخَارِجِ أم من الدّاخِلِ، وقِيمَة التَّنْشِئَةِ الاجْتِمَاعِيَّة علَى نَمَاذِجِ الْفِدَاءِ مِن الْبُطُولاَتِ التِي تُرْوَى للصِّغَارِ، وقِيمَة التَّمَسُّكِ بِالأَرْضِ التِي تَبُثُّهَا الْعَائِلاَتُ فِي أَبْنَائِهَا التِي تَتَجَلَّى عبْرَ بَوْحَيْنِ، هُمَا: "الرَّايَة"، و"شَمْسُ النَّهَارِ".
يَتَجَلّى (بَوْح الرّوحِ) عبْرَ الْمَسَافَةِ الزّمَنِيَّةِ، والْمِسَاحَةِ الْمَكَانَيّة، بيْنَ الْقَرْيَة والْمَدِينَةِ، وبَيْنَ الذّكْرِ والإنْشَادِ والأُوبرَا... وبَيْنَ اللّحَظَاتِ الأَثِيرِيّة فِي لِقَاءِ الأَوْلِيَاءِ مِنْ أَهْلِ اللهِ، وبَيْنَ مَحَبَّةِ آلِ البَيْتِ التِي تَسِيرُ فِي نَفْسِ الْمَسَارِ مِنَ الْوَجْدِ الإلَهِيِّ الذِي سَكَبَهُ الأَجْدَادُ فِي رُوحِ الْكَاتِبَةِ؛ فكَانَ البَوْحُ فِي أقْصَى تَجَلِّـياتِه مُتحَقّـقًا فِي: "مُوسِيقَى الذَّاتِ الْكَامِنَة"، و"هيَ والدَّرْوِيش"، و"صاحِبَة الْمَقَامِ الرَّفِيعِ" وتَقِفُ وحْدَهَا هَذِهِ السَّرْدِيَّة من البَوْحِ دُرَّة الكِتَابِ مِنْ وجْهَةِ نَظَرِي...
ثُمَّ يَأْتِي بَوْحُ "أَدْوَارُ سَــــيِّــــدِنَــا" الذِي يَجْمَعُ بيْنَ نِفَاقِ الْقَرْيَةِ والْمَدِينَةِ؛ ذَلِكَ النّفَاق الإنْسَانِيّ الذِي يَتَشَارَكُ فِيهِ الْجَمِيع، وإقْرَارٌ مِنَ الْكَاتِبَةِ بِأَنّ السُّلُوكَ الإنْسَانِي الْفَرْدِيّ والْجَمَاعِيّ لاَ يَتَجَزَّأ؛ وإنّمَا يَرْتَدِي أزْيَاء ويَتَكَلّمُ لُغَاتٍ بِحسبِ جُغرافيّةِ الْمُنَافِقِ.
غَيْرَ أنّ "مَلاك بِلاَ قَلْبٍ" تَقِفُ وَحْدَهَا علَى غيْرِ ترْتِيبٍ مِنْ كُلّ تِلْكَ السّيَاقَاتِ الْمُتَقَدِّمَة؛ فَهِيَ أصْعَبُهَا... إنَّهَا الذّاتُ تُبَارِزُ نفْسَهَا، ولَحْظَة الْمُكَاشَفَةِ التِي يَهْربُ  الْجَمِيعُ مِنْ لِقَائِهَا؛ بَلْ يَدْفِنُونَهَا.. ويَقِفُونَ عليْهَا بأقْدَامِهِمْ كَيْ لاَ تَخْرُجَ للنُّورِ، غيْرَ أنّ البَوْحَ في هذِه اللَّحْظَةِ السُّكُونِيّةِ الثّابِتَةِ هُوَ لَحْظَة الحسَابِ الْخِتَامِيّ للعُمْرِ السَّابِقِ واللاَّحِقِ الذِي ادَّخَرَتْهُ الْكَاتِبَةُ فِي ضَمِيرِ الإنْسَانِيّةِ وتَارِيخِهَا "خُلُودًا" يُسْتَحَقّ و"مَجْدًا" تَهُونُ مِنْ أجْلِهِ مَا يتَسَابَقُ فِيهِ البَشَرُ، ويَتَقَاتَلُونَ مِنْ أجْلِ لَحْظَةٍ آنِيةٍ فَانِيَةٍ، ولَيْسَ هَذَا دَأَبَ العُظَمَاءِ والأَفْذَاذِ مِنْ فُرَادَى النَّاسِ الذِينَ يَأْتُونَ علَى غيْرِ مَا أَلِفَهُ النَّاسُ؛ فَهُمْ مَلاَئِكَةٌ ... ولَهُمْ قُلُوبٌ...
وَأَدْعُوكُمْ أَعِزّائِي الْقُرَّاء إلَى (بَوْح الرُّوحِ) الّذِي نَقَلَنِي عَبْرَ كَلِمَاتِهِ إلَى عَوَالِمَ رَاقِيَةٍ، ولَحَظَاتٍ مَاتِعَةٍ.. عَانَقَتْ رُوحِي فِيهَا هَذا البَوْحَ زَمَانًا.. ومَكَانًا.. وانْفِعَالاً.. مِنْ فَرْطِ الصِّدْقِ، وَالْوُدِّ، والشَّفَافِيَةِ، والوَجْدِ.. وكلُّهَا صِفَاتٌ تَتَمَتَّعُ بِهَا صَاحِبَةُ الْبوْحِ..   

   
الكاتب والناقد الدكتور / السيد إبراهيم