الدروب
الصوفية بين أعمدة حسن غنيم الفنية
بقلم /
عزة أبو العز ( دراسة نقدية )
مع هلال العشر الأوائل من ذي الحجة بكل روحانياتها وأجوائها الإيمانية
, حرصت على تقديم هذه الدراسة النقدية عن فنان تشكيلي كبير أعتبره من أهم فناني
مصر الذين قدموا لنا نوعاً متميزاً من الفن يستطيع أن يأخذنا من واقعنا المكتظ
بالمشكلات والمناوشات والشد والجذب إلى عوالم روحانية شديدة الخصوصية عبر عنها عبر
رحلته الطويلة الممتدة فى عالم الفن التشكيلي منذ بداية أولى معارضه الفنية فى عام 1968 للآن , إنه الفنان حسن غنيم
ابن محافظة كفر الشيخ الذى نشأ فى مدينة دسوق ذات الطابع الايمانى المميز نظراً
لوجود ضريح العارف بالله سيدي إبراهيم الدسوقي
وهو فنان ذو هوية فنية شديدة الخصوصية , وأعماله الفنية مطبوعة
بالطابع الصوفي الايمانى وقلما من يعمل فى هذا المجال بهذه الروعة والإجادة الفنية
لأنه درب شاق يحتاج لقلب عاشق وموهبة متفردة تتطبع بطابع جماليات الفكر والتصوف
الاسلامى .
·
المضمون الفكرى
جميل أن يبدع الفنان فى أعمال تعبر عن مخزونه الثقافى والإيماني ,
والناظر لأعمال الفنان يجده واسع المعرفة يقظ فى التناول مع مضامينه الفكرية , فهو
سالك درب المتصوفة بكل ما هم عليه من حالات عشق وتصوف وتفان وسمو فى المراتب الإيمانية
, كل هذه الحالات نشاهدها بين خطوط وألوان الفنان صادقة معبرة عن مضمونه الفكرى والوجداني
معاً , كذلك نجد لوحات حسن غنيم الفنية لوحات عربية إسلامية فيها النضوج الفكرى
وزينتها القيمة الإيمانية التى استمدها الفنان منذ الصغر , ولما لا وهو المريد
المتشبع بذكريات المولد وحلقات الذكر وعبق الذكرى بكل ما تحتويه من حركة وأدعية
الطواف حول مقام سيدي إبراهيم الدسوقي حيث تشكل وجدان الفنان منذ الصغر , فعبر
بمصداقية المعتز بتراثه ومخزونه الثقافى وبحرفية المبدع المتمكن من مفردات أعماله
عن هذا الجو الاسلامى العظيم فنطقت اللوحات بمضمونها وبالحوار المتناغم بين أعمدته
الصارمة الشامخة الثابتة والمعتزة بمصدر قوتها وهو الإيمان الثابت والمعبر عما
يختلج فى نفسه ويهواه قلبه فى صورة فن من أجمل ما يكون .
·
حوار الخطوط والألوان
تطل علينا خطوط الفنان فى شموخ وثبات تظهر براعته فى حسن تقسيمها إلى
أجزاء مختلفة يحاكى فيها الخرط العربى .. إلا أننى أجد براعته الفائقة فى التقسيم
إلى دوائر ومستطيلات وأشكال أخرى استفاد فيها بالعلاقات الجميلة المقسمة بين الكتل
والفراغ , فهو يقدم عظمة التكوين متمثلاً فى الكتلة سواء كانت على شكل دائرة أو
عمود قائم مدبب الطرف أو مخروطى الشكل أو ما إلى ذلك من الأشكال المتنوعة التى
يجيدها الفنان بصنعة فائقة وبين الفراغ المتشعب بين هذه التكوينات وكأنه يفتح لنا
أفاقاً جديدة فيما وراء هذه الفراغات وهى سمة من سمات اللامحدود والمتغير , وتتسم
لوحات الفنان بطرح أكثر من مستوى مرئي وبالتالى يساعد ذلك على الإعمال الفكرى والذهني
لدى المشاهد ..فلوحات الفنان تعبر عن العمق فى الرؤية وتعددية فى التناول الفني ,
وتتميز أعمدته بالسمك تارة والرشاقة والانسيابية تارة أخرى , وتمتد طولياً وعرضياً
فى اللوحات بمساحات محسوبة بمنتهى الدقة . فأعمدته نافذة المقصد والرسالة كأنها
المآذن راسخة فى طريق الإيمان , ويزيد الفنان من قيمة أعمدته الشامخة بالتدرج اللوني
الجميل , فقد استطاع ان يمتعنا بمجموعة من الأعمال التى يعزف فيها اللون مع
التكوين الشكلي ترنيمة إيمانية عظيمة فى
الروعة والجمال فهو يبدأ بالألوان الداكنة فى المستوى المرئي الأول للوحة ثم تخف
حدة هذا اللون تدريجياً إلى أعلى مما يزيد من عملية الربط المرئية بشكل كبير ثم يبدأ
باللون الداكن فى مجموعة الأعمدة الأولى ونستشعر شفافية اللون فى المجموعة التالية
فالتالية إلى أن يصل بنا اللون إلى التلاشي الجميل والفناء المحسوب الذى هو فى
حقيقة الأمر تجدديه فنية فيما وراء المرئي وهنا تبرز قيمة الشفافية اللونية عند الفنان
, فنجد ان اللون يتلاشى رأسياً وعلى امتداد الرؤية , وعندما يطل علينا بأعمدته
المتراصة الدالة على البناء الصرحي شكلاً وان كنت اعبر عنها بالإيمان اللامحدود ..
فقد أخذتني أعمال الفنان من وجودية ومادية الواقع إلى شفافية ولا محدودية الإيمان
ومثلما عبر الفنان عن أعمدة الفن الاسلامى نجد تأثره الواضح بالانتماء للشغل
العربى والقباب العربية بداية من شغل المشربية الواضح بشكل كبير فى أعمال وأشغال
الأرابيسك وانتهاء بالفخامة والأصالة فى لوحات سحر الشرق , فتطل علينا أعمدته التى
أبدعتها فرشاته لنجدنا أمام فنان عربى أصيل وكأنه أخذ بأزميله يحفر ويبدع رسوماته العربية طولاً
وعرضا ً.واستدارة ً .. والمشاهد لأعمال حسن غنيم يجب أن يدرك أنه أمام فنان عاشق
لمهنته ومهندس بارع فى تصميمه وفيلسوف ساعد على إعمالنا العقلي بحسن تقييمه للوحة
فمئات الأشكال فى أعمدته الفنية تنم عن كثير من المعاني الفكرية .. وقد اجتمعت فى
أعماله شمولية الفكر الايمانى وإجادة التعبير الوجداني فقد عبر عن مرتبة إيمانية
عالية ذات خصوصية وشفافية فاستحقت أعماله
أن ترقى لأعلى مرتبة فنية .
·
الضوء والظل
الضوء والظل علاقة التضاد فى أى عمل فنى إلا أنها أكسير اللوحة لدى أى
فنان وقد أجاد الفنان فى استخدام الضوء والظل فى لوحاته لدرجة كبيرة أكسبت أعماله
جمالاً وقيمة فنية عالية , فهو يستخدم الظلال بشكل خطير تبدو فى انعكاس صورة
الأعمدة مما أعطى الإحساس بكينونة وجودها الحقيقي كما نجده قد استخدم الظل فى
تكوينات الأعمدة المخروطية مما يكسبها سمكاً وقوة غير عادية بالاضافة لتوزيعه فى
اللوحة بصورة متدرجة ومحسوبة بإتقان ونجده فى لوحاته قد افترش من الظلال طرقاً
ممتدة ً تبدأ بالظل الكثيف لتنتهي بالضوء اللامحدود واللامتناه ليتماشى ذلك مع
مضمونه الفكرى والفلسفي والديني لأعماله .
ومثلما لعب الظل أحد طرفى عنصر البطولة أجد الضوء هو الطرف الآخر
المكمل لبطولة الأداء التعبيري فى لوحات الفنان وتزداد أهمية الضوء فى نظرى لأهمية
اتساقه مع مضامينه الفنية , فالضوء عند حسن غنيم قد أكتسب من المضمون الفكرى
للوحاته شفافية ومصداقية الإيمان وأكسب حسن غنيم الثراء الفني فى اللوحة والتصوير
اللامحدود لدروب الصوفية , تلك العلاقة لم تكن تتواجد لولا حساسية هذا الفنان
وحرصه الشديد على التعامل مع طرفى البطولة فى أعماله العمودية – الضوء والظل –
·
العمارة الهندسية
تنم أعمدة غنيم الفنية عن ارتقاء فنى لإنسان متخصص فى الهندسة
المعمارية ولكن العظيم وبحق هو هذا الإحساس الذى راودني أثناء مشاهدتها فلا ترد فى
ذهن الرائي العمارة المادية بل ينطبع بداخله على الفور العمارة الاسلامية بكل ما
فيها من عظمة فى المباني وسمو فى القيمة الروحية فقد نظرت إلى أعماله وشعرت على
الفور أننى واقفة بين أعمدة مسجد السلطان حسن بكل شموخها ورفعة مبانيها أو مسجد
الرفاعى بكل ما تحتويه أعمدته من عظمة وشموخ فى البناء , من هنا ندرك أن الفنان
على وعى كامل بالتراث والعمارة الاسلامية
بشكل كبير فهو لا يبدع إذاً من فراغ فقد نشأ نشأة دينية حيث تفتحت موهبته فى
المسجد الدسوقي واكتملت بالرؤية والتفكير والغوص داخل عوالم الفن الاسلامى العريق
.
·
شفافية الفن ورومانسية الفنان
استطاع الفنان حسن غنيم أن يكون لنفسه درباً غير معهود وعالماً خاصاً
من الفكر والخيال والجمال إنه عالم حسن غنيم الذى يجمع بين شفافية الفن ورومانسية
الفنان فعبر فى بساطة فنية عن عوالم شتى وفلسفات عربية وعزف بفرشاته ترنيمات شديدة
العذوبة والشفافية وخلق من نسج خياله حضارة معمارية وهندسية قد تزاوج فيها القديم
مع الحديث ليخرج لنا أجمل التعبيرات المرئية وبحث عن كل ما هو أصيل من خرط عربى
وقدور ومآذن ومشربيات كى يظهره لنا بصورة رائعة تنم عن شخصية عاشقة لانتمائها
العربى وتبقى أعمدته ثابتة ثبوت كل ماهو أصيل وعريق ناطقة بأصلها العربى
لتنم عن شخصية إسلامية ..
ويبقى حسن غنيم فى القلوب واحداًًممن اثروا الحركة الفنية بالأعمال العربية والإسلامية العظيمة ويمتعنا
بالجمال الفني الذى نسجته رومانسيته الفنية .
جوائز وتكريم ( برواز )
شارك الفنان حسن غنيم فى كثير من المعارض الفنية المحلية والدولية
بداية من عام 1968 للآن وتم تكريمه وحصوله على كثير من الجوائز محلياً ودولياً .