فؤاد
دوارة ويحيى حقي .. معزوفة عطاء دائمة
بقلم: عزة أبو العز
يمر على رحيل الأديب الكبير يحيى حقي عملاق الكتابة الأدبية المصرية
والعربية 25عاماً مما دفعني للتأمل فى تلك العلاقة الخاصة جداً التى تعد قمة فى
الوفاء والعطاء وتدرس للأجيال ا لحديثة , وهى علاقة فؤاد دوارة ( عاشق المسرح
المصرى بالأديب الكبير يحيى حقي ) فلولاها ما كان بيننا كل هذا الكم والتصنيف
العلمى الموثق لأعمال يحيى حقي .
يعد فؤاد دوارة واحداً من الرجال الذين اخلصوا وتفانوا فى حب المسرح
المصرى وهو الاسم الأكثر شهرة وحضوراً فى عالم النقد المسرحى حتى أصبح فؤاد
دوارة ذاكرة المسرح المصرى وكلاهما يؤرخ للأخر بما سنه فؤاد دوارة للمسرح وما قدمه المسرح لفؤاد دوارة , وعندما غيب
الموت فؤاد دوارة فى الأول من مارس عام 1996 م قمت بعمل تحقيق صحفي لجريدة الوطن
العمانية عن فؤاد دوارة قمت فيه بالبحث عن الملمح الإنسانى والمهني للناقد الكبير
الذى ولد فى الأسكندرية فى الخامس عشر من نوفمبر عام 1928 م وتعلم بمدارسها حتى
حصل على ليسانس الأداب فى اللغة العربية عام 1950 م ولأنه إنسان دائم الاطلاع محب
للعلم والبحث والمعرفة حصل على دبلوم المعهد العالى فى التربية عام 1951 م ثم
دبلوم المعهد العالى للعلوم الإجتماعية عام 1957م ثم استكمل دراسته بماجستير فى
الأدب العربى حول موضوع ( السياسة فى مسرح توفيق الحكيم ) من جامعة القاهرة عام
1977م كما شغل كثير من الوظائف بدءً أمين مكتبة جامعة الأسكندرية ثم مدرساً بالمدارس
الثانوية حتى انتقل إلى القاهرة وعمل
مديراً لمجلة المجلة ثم مديراً لمطبوعات
دار الكتب المصرية حتى انتقل للعمل بالثقافة الجماهيرية كمدير لمركز إعداد الرواد
ثم عمل مشرفاً عاماً للمركز القومى للطفل ثم للمركز القومى للمسرح وأخيراً كان
مستشاراً لوزير الثقافة من عام 1986م إلى عام 1988م .
·
و من المحطات المهمة التى لفتت نظرى فى حياة فارس النقد المسرحى
الأستاذ فؤاد دوارة هو الدور الكبير الذى قام به فى جمع وتحقيق أعمال العملاق يحيى
حقي .. لقد منحنا دوارة أعظم مثل فى التضحية والتفاني من أجل جمع وظهور أعمال يحيى
حقي المبعثرة وقد بذل الرجل جهداً مضنياً فى البحث والتنقيب عن كل ما سطره
قلم يحيى حقي فى مقالات وصحف عديدة مثل {التعاون
والمساء ومجلة المجلة } ورتبها فى كتب متخصصة وبذلك أهدى فؤاد دوارة المكتبة
العربية ثمانية وعشرين كتاباً .. وقد صرحت لى الأستاذه نهى حقي ابنة الأديب الكبير
فى ذاك الوقت أنه لولا جهود فؤاد دوارة لم
يكن لوالدها بين يدي القارىء العربى كل
هذا الكم من الكتب ليحيى حقي لأنه صنف
مقالات يحيى حقي فى { الأدب – النقد – الإبداع – الشعر – السينما – المسرح – الفن الشعبي
– وقصص قصيرة لم يسمع عنها من قبل فى السيرة الذاتية المتناثرة من هنا وهناك } لا
شك أن حياة وإبداع الكاتب الكبير يحيى حقي الذى ولد فى القاهرة فى 7 يناير عام
1905 ونشأ فى بيئة تهتم بالثقافة وعمل فى أكثر من مكان وكان لسفرياته العديدة
تأثير فى اهتمام فؤاد دوارة بحياة حقي الثرية , فقد حصل يحيى حقي على ليسانس
الحقوق عام 1925م واشتغل بالمحاماة ثم معاوناً للإدارة فى منفلوط عامي 1927 و1928 وبداً
أميناً للمكتبة فى قنصلية جدة لعامين ثم فى اسطنبول لسنوات أربع فعاش أهم الأحداث السياسية هناك ثم انتقل إلى
إيطاليا .. النافذة الأهم على الفنون
العالمية ثم عاد إلى مصر مستشاراً لدار الكتب كما ترأس رئاسة تحرير مجلة المجلة وتولى منصب
مدير مصلحة الفنون واكتسب عضوية كل من لجنة جوائز الدولة التقديرية والمجلس الأعلى
للفنون والآداب والإبداع حسب ما ورد فى {
كتاب أيام مع يحيى حقي للكاتبة نادية كيلانى }
·
مما لا شك فيه أن ثراء تجربة يحيى حقي الأدبية لاقت استحسان واهتمام
الناقد الباحث العاشق لمهنته فؤاد دوارة ولكنها لم تكن لتخرج للنور لولا هذا الحب والتفاني
من قبل دوارة تجاه أعمال يحيى حقي وهذا ما سمعته بنفسي من زملاء وأصدقاء وتلامذة
فؤاد دوارة فى حفل تأبينه فى رحاب المسرح القومى المصرى عام 1996 م حيث ذكر ألفريد
فرج آنذاك عن دوارة أنه كان الناقد الوفي
لأدبائنا الكبار وكان لهذا الوفاء مردود ثقافى كبير حيث أضاء جوانب من أدب توفيق الحكيم وأدب يحيى حقي فوفاؤه غير عادى
يمثل وفاء جيل سابق ووفاء للأستاذ كما كان واسع الثقافة ونقده نقد علمى على أعلى
مستوى .
·
قد يتساءل البعض .. هل يمكننا أن نجد اليوم فى حياتنا الثقافية على
اتساع مساحتها وتعدد روافدها علاقة مثل هذه العلاقة الفكرية الإنسانية بالغة السمو والنضج بين
ناقد بارع وكاتب مبدع ؟
·
ويقيني أنه إذا وجد بيننا مبدعاً كبيراً وعظيماً لديه القدرة على
الكتابة فى الأدب والنقد والسياسة والتاريخ مثلما فعل يحيى حقي أحد عمالقة الكتابة
فى مصر الذى اتسمت أعماله الإبداعية بالحكمة والعمق والكشف عن خفايا الشخصية
المصرية ببساطة متناهية فيحيى حقي ليس
صاحب القنديل الشهير وفقط يحيى حقي لسان حال بسطاء هذا الوطن يحيى حقي يعنى لى صح
النوم وأم العواجز وسارق الكحل وخليها على الله والبوسطجى وغيرهم كثير من الأعمال
الإبداعية المتميزة على مدى رحلة طويلة فى العمر والإبداع امتدت حتى وفى أجله فى
10-12-1992م ولا يزال أثرها معنا فناً وفكراً وإبداعاً لليوم وستظل .
·
فإذا وجد بيننا المبدع الصادق صاحب الإبداع الفكرى والفنى والفلسفى
الجميل ويخرجه علينا فى أكمل صوره الشكلية التى تتسق مع مضمونه الفكرى كما فعل
يحيى حقي بالقطع سيكون لدينا الناقد الباحث المدقق المحب لهذا النوع من الإبداع لإيماني
الشديد أن الإبداع الحقيقي هو من يخلق حركته النقدية المواكبة له كما أن النقد الإيجابي هو النقد القادر على
خلق حالة من النقد الإبداعي تضاهى فى جمالها وإبداعها النص الأصلي للكاتب .
فى ختام مقالتى هذه أتوجه بالتحية والدعاء لروح عملاق الأدب المصرى والعربى يحيى حقي بقدر ما أمتعنا فى ذكرى
رحيله الخامسة والعشرين كما أتوجه بالتحية
والدعاء لروح الناقد الكبير فؤاد دوارة الذى وصفه الكبار بمقولات رائعة ستبقى فى
ذاكرة كل مهتم بالحركة الأدبية والمسرحية المصرية والعربية , فقد قال عنه توفيق
الحكيم : إن الصفة البارزة التى عرف بها
دوارة هى صفة الناقد الجاد والجدية عنده قد بلغت حداً يمكن وصفه بالفدائية .
القاهرة 22-11-2017 م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق