بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، مارس 20، 2013

أيام الشتات ---------- دراسة نقدية



جلال --- كمال رحيم ------ وأيام الشتات

فى ظل هذه الأجواء السياسية الملتهبة والحوارات الدائرة فى الوسط الثقافي والسياسي العربي أردت أن اخذ قسطا من الراحة فى ظل إحدى الروايات التي عادة ما تخرجني من هذه الأجواء الصاخبة  وجفاء كلمات الساسة – فامتدت يداى إلى عمل ابداعى رائع كان قد أهداه لي الكاتب و الروائي المتميز كمال رحيم منذ فترة و هي و رواية ايام الشتات الصادرة عن وكالة سفنكس للفنون والآداب لأجد نفسي غارقة فى تفاصيله الروائية بمتعة كبيرة لما يحتويه من مجموعة من الثوابت داخل المجتمع الانسانى وحرصي اليوم أن اكتب لكم عنه نابعا من ايمانى العميق بان فكر المبدع يسبق تخطيط السياسي فى كثير من الأحيان لذلك أرى أن رواية كمال رحيم 
رواية شديدة المصرية في وصف أماكنها  شديدة العالمية بما تحتويه من مشاعر وأفكار لذا اعتقد أن الكاتب استطاع أن يحجز لنفسه مقعدا في صفوف الأدب العالمي .

استطاع كمال رحيم أن يسجل لحقبة زمنية وتاريخية في غاية الأهمية راصدا لأهم الحروب التي مرت بها مصر ليس هذا فقط بل ارتفع الأديب في روايته لمناقشة مجموعة من القيم الإنسانية التي هي قمة في السمو والتضاد في أن واحد نراه معبرا عن علاقة تلاقى حوار الأديان ما بين الشد والجذب في المجتمع الفرنسي من خلال تلك العلاقة الشائكة   ما بين عائلة الجد  زكى الازرع وعائلة الشيخ منجى المسلم التونسي .
كما استطاع أن يشرح لنا بصورة وصفية ولغة سردية بالغة الدقة والروعة خفايا وتفاصيل المجتمع اليهودي من خلال  عائلة أم جلال كما وضع يده على نقطة اختلاف اليهودية في كونها دين سماوي وبين مفهوم الصهيونية الحركة السياسية  بكل أفعالها البغيضة   كل ذلك في لغة سهلة وبسيطة وواقعية بعيدة عن لغة الحوار الموجه العنتري بل ساق ذلك من خلال الحوار الروائي الواقعي

من خلال قراءتي للرواية أتضح لي تمكن كمال رحيم من أدواته الفنية
أولا فهو كاتب صاحب قضية   حيث استقى روايته من واقع مؤلم وحزين مرت به عائلة اليهودي المصري زكى الازرع ومن خلال  تلك البداية عرض لمجموعة من القضايا المهمة وفى مقدمتها قضية العلاقة    بين المسلم واليهودي والفرق بين اليهودي والصهيوني وقضية الانتماء للوطن الذي يفوق اى انتماء أخر بالإضافة لفكرة تقبل الأخر والتعايش معه وهذا ما حدث في نهاية الرواية من نشوء العلاقة الجيدة ما بين الشيخ منجى وزكى الازرع .

ومن أهم المضامين التي قامت عليها الرواية مفهوم الحب   وما يحدثه  في نفوس البشر واقصد هنا الحب بكل صوره ( حب جلال العذري البريء لنادية في القاهرة وحبه لخديجة في فرنسا مع اختلاف وجهة نظره وإحساسه  بهذا الحب وحبه لجده وهنا حالة خاصة في الحب ما بين جلال والجد    واعتقد من وجهة نظري أن هذا   هو أهم حب في الرواية كلها   هذا هو الحب الانسانى الذي جمع فيه الابن والجد  حالة من التوحد والانتماء والاهتمام بما يحتويه     من كل مظاهر خوف الحبيب  على حبيبه .
لذلك اعتقد أن حب جلال لجده والعكس  صحيح هو عصب الرواية بل وعصب كل شيء انسانى وجميل وربما   بعد موت الجد عاش الابن جلال بالفعل أيام الشتات ونجد ذلك واضحا من المنولوج الداخلي   الذي ساقه الكاتب في نهاية الرواية على لسان جلال من إحساسه بالغربة وعدم الانتماء  لاى من عائلتيه  سواء لامه أو لأبيه
هنا بالفعل ندرك مدى ألازمه النفسية التي وقع فيها جلال بعد فقده لجده .

أما من ناحية الأسلوب السردي فقد كسبت   الحركة الأدبية المصرية كاتب مبدع  يعلم جيدا كيف بصيغ العبارة في سهولة ويسر بلغة عامية ولكنها عامية رشيقة تخدم المضمون ولا تسفه منه كاتب يملك مفردات الحارة ولغة تخاطب البسطاء كاتب لابد أن يكون من نبت هذا الشعب الطيب البسيط ليس هذا فقط بل هو كاتب قادر على الوصف مثلما هو قادر على السرد فالصورة عنده تسبق الكلمة بمراحل كثيرة وربما هذا  يؤهل أعماله لان تعرض على شاشات السينما أو التليفزيون .

فهو كاتب يمتلك رؤية بصرية لا تقل في أهميتها عن رؤيته الفكرية وكما أجاد في وصفه لجو الحارة     المصرية من خلال وصفه لحى الضاهر أجاد أيضا  في وصفه لشوارع وأحياء  فرنسا واراه في الرواية قد استغل معرفته الجيدة بالواقع الفرنسي فعبر عن  شوارعها وحواريها خير تعبير .
وان دل ذلك عندي فإنما يدل على واقعية أدبه فهو يكتب   أدبا واقعيا يستمد قوته من قوة الواقع باتضاح عنصري الزمان والمكان فيه معا وهذا هو الأدب الذي أفضله   الأدب الذي يجعلني متحدة زمنيا ومكانيا مع الإحداث بشكل عام

من الأشياء الجيدة   التي أعجبت بها في السياق الدرامي هي استغلال الكاتب لثقافته التاريخية والقانونية في عرضه لزيارة   الرئيس السادات لتل أبيب ووصفه لبعض قادة فرنسا ووصفه الرائع للواقع العربي من خلال الجاليات العربية في فرنسا كما ظهرت ثقافته المعرفية بوضوح تام من خلال عرضه لعروض الأوبرا العالمية   وجولات جلال وخديجة بعد الزواج في ( شهر العسل ) شعرت من خلال السياق السردي مدى معرفة الكاتب وإطلاعه بل واتحاده مع الثقافات الغربية .وتأكيد الرواية على قيمة من أهم القيم ألا وهى

 ( الدين لله والوطن للجميع )             بقلم عزة أبو العز




ارهاصات نهاية العالم ------------- دراسة نقدية










                                         إرهاصات ------------- نهاية العالم

إرهاصات نهاية العالم --- يصدمك القماش للوهلة الأولى بعنوان معرضه ثم يدعك تدخل بنفسك وتغوص    داخل أعماله الأسطورية المليئة بالكثير من المعاني والصرخات والأنات فى آن وهذه هي عادته يصدمك ثم يدعوك للدخول إلى عالمه الفني على الرحب والسعة ولكن شرطه الأول الذى يجب أن يضعه مرتادي فن القماش أن يكونوا على أتم الاستعداد لان يبحروا فى رحلة خارج إطار الزمن الفعلي والمعقول والمعتاد يجب أن تكون مستعدا بل مغامرا وتعلم انك ستتقابل مع شخوص ورسومات تكاد تكون متلبسة بأرواح على غير العادة يراها البعض شريرة والبعض الأخر يراها إنسانية إلى أقصى درجة بل افلاطونية التكوين والمعاني وهذا ما أراد القماش أن يقوله فلوحاته تقول لك ----  توقف إنها نهاية العالم  ---- ولكن بدهشة رائعة تواصل وتقول لك وبداية العالم الجديد الافلاطونى الجمالي إنها نهاية كل ما هو مادي لاستبداله بما هو انسانى روحاني .
وكعادته دائما كثير التفاصيل --- دقيق الملاحظة --- متقن الأداء --- بالإضافة لكثرة العيون فى لوحاته التي تضعنا أمام تساؤل مهم : هل هي عيون الناقد الكاشف ؟ أم المحلل لكل مساوىء العالم المادي المعاش ؟ أم أنها رمزية الرؤية فى اتجاهات شتى ؟ أم هي الرغبة فى الخلاص ؟
جمع الفنان أسطورية المعنى مع مفرداته التي تعودنا ها منه فى الأبواق الشاردة ومخلوقاته الغريبة ولم ينس مفرداته من الدبابيس والمسامير والأشكال الحديدية الساكنة مضمونا والمتحركة المتوهجة المنصهرة معنا ------- انه عالم القماش الاسطورى الذى يضعنا أمام فوضى السوريالية المنظمة ففكرة الجنون المقبولة هي كل المتناقضات فى إبداع هذا الفنان .

                     الشكل ------------ والمضمون
·  مضمون القماش مضمون مشروع فنان وليس معرض منفصل محدد بفترة زمنية فمن خلال قراءاتي ومتابعتي لرحلة عطاء الفنان أجد انه بدا هذا المشروع منذ عام 90 فى معرض ضد الحرب بأكثر من 40 عمل كان فيها ضد الحرب اى ضد كل ما هو سيء( الغدر – الخيانة – الغش -   الخ )ثم أتى عام 93 ليؤكد مشواره وتتحسس خطاه بين الحلم والواقع وكانت كل العناصر  تحترق فى الحركة التشكيلية والاحتراق فى أعماله ما هو إلا نوع من التطهر آنذاك --- ويستمر الفنان فى تطور مشروعه ليؤكده بمعرض ( رؤية لإنسان القرن الواحد و العشرين ) عام 95 ويزداد المشروع وضوحا وتكثر هواجسه وتكوينا ته وتبلغ لديه قمة الانفعال لتدفعه دفعا إلى السفر فى المجهول الذى أتى نتيجة سفره خارج البلاد فقضى رحلته ما بين الذهب والفضة والشياطين ويواصل المشوار اكتماله وتزداد الإرهاصات فى معرض الصمت المسكون 2006 بسبب سفره إلى سلطنة عمان وفى هذه السفرة حكى لي الفنان بنفسه أن خيالات العناصر كانت تعيش معه وكان البطل هو البوق النحاسي الذى تحول إلى كيان انسانى يسمعه ويراه يتمدد ويتنفس أمامه --- وياتى بعد ذلك معرض الأسطورة عام 2008 ثم التجربة الأقوى والأصعب على الإطلاق فى معرض أمنا الغولة التي أحدثت ضجة كبيرة فى الأوساط الفنية التشكيلية آنذاك ثم تبعه عام 2010 بمعرض الخيال الجامح ليصل ألان إلى المرحلة الأهم من مشروعه الفني ألا وهى ( إرهاصات نهاية العالم ) والمتابع جيدا لرحلة عطاء القماش يدرك أن أشكال معارضه تتسق تماما مع مضمون مشروعه الفني السوريالى الذى يضعه فى مصاف الفنانين ذوى الإبداع الحقيقي فالقماش تخطى مرحلة الفن العادي  إلى الإبداع الذى لا يبعد كثيرا عن مرحلة العبقرية فى التناول ---- فكل فنان جاد لديه شيء من العبقرية اذا استطاع أن يخرج من الإطار الشكلي المعتاد والتناول الرتيب إلى أفاق أرحب فى الشكل والمضمون .

            عندما ينطق الحجر ---------
فى هذا المعرض نجد الاستخدام المتميز للحجر الذى تدب فيه الحياة ليكون بمثابة عنصر تفاعلي مكمل للوحه الفنية فهو تارة يستخدم فى التكوين كعنصر اساسى مثلما هو حادث فى تشكيل الوجوه المتعددة ومرة أخرى ياتى خلفية و رمزية لحالة الجمود المادي الذى يأمل الفنان أن يقضى عليها بإرهاصات جديدة مغايرة --- وياتى فى لوحة أخرى مشكلا جسم اللوحة مما يدل على الثبات والرسوخ والارتفاع والمنعة والحصانة فى آن وكأنه يريد أن يقول للمتلقي أن ماديات العالم وبشاعته راسخة رسوخ الجبال لذا يستخدم الفنان فى تناقض غريب الزرع الذى يشق قلب الحجر أملا فى استشراف عالم أكثر إنسانية وأكثر رحابة نستطلعه فى عيون القماش الكثيرة التي  تطل علينا فى حالة من الترقب واليقظه    تارة وحالة من الشرود والحزن تارة أخرى وفى هذه اللوحة بالذات التي أطلقت عليها أنا اسم   ( قلب الحجر ) نظرا لاحتوائها على خط رفيع لقلب يقف وحيدا على شمال تكوين الصورة فهنا نجد رؤية كاملة للإرهاصة الجديدة بتواجد القلب والزرع الذى يقاوم هذا التشكيل الحجري القوى والطائر الذى هو فى حالة   من التأهب للانطلاق وفى لوحة أخرى لا تقل روعة وجاذبية من لوحة قلب الحجر نجد اللوحة ذات الوجوه المتعددة نظرا لانعكاس الوجه البشرى بإضفاء مجموعه من الظلال لتكون لنا تشكيلات أخرى لذات الوجه و لكن بملامح مختلفة وكأنه نوع من الاستنساخ لكل ما هو مادي ورصين وواضح إلى صور اقل حدة وأكثر عمقا حتى تتلاشى هذه الظلال لتكون أشكال من الطيور وذاك القلب الذى يطوق تلك الحضارة المادية ليتدلى برومانسية رائعة وعليه مجموعة من الصور فى دلالة غامضة أن الحب الانسانى لن ياتى إلا بصحبة وإتقان انسانى لا محدود .

       الوجوه المتعددة --------

لا يخفى على احد سيطرة فكرة الوجوه المتعددة على معرض القماش وهناك لوحة غاية فى الروعة يخيل إلى
   أنها واصفة لحال مجتمعاتنا المادية فالوجوه متراصة يقف بعضها فوق بعض تعلوها أعلام غير معروفه الهوية وجوه     يرقب كل منها الأخرى وكلها شاخصة إلى هذا الحراك الخطير المتداخل فى المنتصف وكأنها هي  الأخرى ناظرة فى عدة اتجاهات وهذه اللوحة تعطيني إيحاء أن هذه هي صورة المسرح الكوني --- فهناك مسرح بالفعل منصوب على دعامات من الحديد القوي جدا يقف عليه كثير من الوجوه الشاخصة تتوسطهم    الحدوتة المنشودة بكل تفاعلاتها وحراكها  وتعلوها       الستارة المسرحية التي ربما هي فى وضع إسدال أو وضع لملمة بحركات تتناسب إلى حد كبير مع مضمون الأعمال الفنية فى لوحات الفنان .

     التناسق اللوني ----------
كعادته دائما استخدم لونيه المفضلين الأبيض والأسود لونى التضاد الدائم والثابت فى أعماله وكأنه يؤكد لنا انه دائما وأبدا واقع بين هذين اللونين مما يعنى التداخل الفكري أيضا فى لوحاته وهو بهذين اللونين الرائعين يفتح للمشاهد أفاقا رحبة من التفكير كي يسبح بفكره بين خيارين لا ثالث لهما وأحيانا يسبح بين خيارين لا اختيار بينهما .كما نرى تخلل اللوحات بعض من الألوان الخفيفة كعادته فى بعض معارضه حيث انه يطعم بعض لوحاته بتلك الألوان الخفيفة وكان لسان حاله يقول لنا أنا  المصور الجدارى – الرسام – الفنان – المتفلسف بالفرشاة والألوان .

   الضوء والظل -----------

اعتاد الفنان الدكتور السيد القماش أن يكون لعنصري الضوء والظل مكانة متميزة فى كل أعماله الإبداعية ومن وجهة نظري استغلال القماش للضوء والظل عن طريق اللونين الأبيض والأسود هما ابرز أدواته الإبداعية   وفى معرضه هذا  إرهاصات نهاية العالم أرى أن القماش بلغ ذروة الاستخدام الجيد لعنصري الضوء والظل فقد أصبح الضوء والظل من أهم عناصر التكوين فى اللوحة ونرى ذلك فى التركيز الشديد للظلال فى قاعدة اللوحات      مما يعطى إيحاء بالثبات والقوة لبناء التشكيل اى كان نوع التشكيل ( جسم – وجه – مكون ما ) وفى لوحة تعد من اغرب وأروع لوحات المعرض  على الإطلاق وهى لوحة الآلة الضخمة التي تتوسطها استخدام لونى خفيف نراه هنا يجعل من الضوء والظل عنصر البطل فى خلق نوع من التوازن المرئي ما بين الأرض والسماء تدرجات الظل هنا رائعة ومتدرجة إلى حد كبير تلك اللوحة التي أرى فيها القماش بشكل لم اعهده من قلب فهنا قلب العالم الجديد اوقلب الفنان الحالم بتلك     السماء   المليئة بزهور اللوتس الفرعونية وعين الطائر المميزة التي هي فى حقيقتها عين الرؤية المستقبلية الناظرة للمستقبل بل وهى فى حد ذاتها ذاكرة هذا المخلوق أو هذا العالم التي تريد الحب وتحلم به والحب هنا  ما هو إلا تحقيق كل المعاني الطيبة والثوابت  والقيم اى الحب بمفهومه العام الذى يتحقق به السلام للعالم اجمع .
كما أرى استخدام    الضوء والظل بشكل ممتاز ومتدرج    فى لوحة الهلال نجد التدرج اللوني من الأسود الغامق إلى الأسود الأخف حدة مما يعطى إحساسا بالامتداد وهنا نجد أن عنصر الظل أصبح هو العنصر البطل فى معرض إرهاصات نهاية العالم لاننى أجد فيه الاستخدام الامثل لإيصال رسالة الفنان عن نهاية العالم من اجل  حضور بدايات أخرى أكثر إشراقا 

    هارمونية العمل ----------- 
   
دائما ما تلعب مفردات القماش الكثيرة دورها المعتاد فى خلق نوع من الهارمونية فى لوحات المعرض ككل فالبيوت الحديدية أو القواعد الثابتة التي ترتكن عليها معظم لوحات المعرض نجدها سمة أساسية تتسق مع تكوين اللوحات ويخلق لنا نوع من الثبات فى الرؤية والنسب بين أبعاد اللوحة فى مجمل اللوحات --- التوزيع الجيد لعنصري الضوء والظل فى اللوحات أصبح مكون اساسى فى إظهار مضمون اللوحة والاتساق معها واستخدامه للون فى قليل من اللوحات نجده استخدام موظف إلى حد كبير فهو يكسربه حدة اللوحة مثلما استخدمه فى لوحة الآلة الكبيرة وفى هذه اللوحة بالذات أرى أنها تحتاج لقراءة متعمقة من المشاهد حيث ظهر فيها إبداع الفنان بوضوح شديد وظهر فيها أيضا تلخيص لمفهوم المعرض ككل عن إرهاصات نهايات العالم ففي النصف الأسفل من اللوحة نرى العالم المادي بكل بشاعته وتركيباته المعقدة وفى منتصف اللوحة نجد مساحة من البراح اللوني فى الخلفية ثم مستوى ثالث للرؤية وهو أيضا متدرج على ثلاثة أنواع من التدرج اللوني فى هارمونية مبدعة واللوحة ككل يبدو لي فيها مضمون المعرض وتلخيص لرحلة قرن كامل ورؤية مستقبلية للعالم القادم ----- وقد اجادالقماش فى ذلك إلى حد كبير

    هارمونية الحجر ---- أرى أن الفنان قد استخدم الحجر بشكل بارع حيث ظهر لنا فى بعض اللوحات خلفية للوحة وفى ذات اللوحة هو جزء من تكوينها الانسانى فالحجر تشكل منه الوجه والخلفية فى توزيع ناجح للمسافات البيضاء والظلال وربما الإجادة أتت من استعماله الأبيض والأسود فى أعماله الجرافيكية أما لوحة المسرح الكبير تعد قمة الاستخدام لهارمونية العناصر وتوزيعها بنسب مذهلة وعندما أتفحصها جيدا أعجب حقا من قدرة هذا الفنان على حشد كل أدواته القديمة المعتادة وربطها بالحاضر وتطلعها إلى المستقبل هو فى الأساس قاعدة اللوحة  من خلال تلك العيون على هيئة أقنعة المسرح المعتادة وكأنه يقول لنا ما العالم إلا مسرح كبير وهذه هي مفرداته وهذه هي شخوصه وهذه هي رؤيتي لكل ما يدور وأيضا يستخدم ذلك اللون الأصفر الخفيف الذى لا يعطى انطباعا أو تأكيدا لونيا واضحا ليجعلنا فى حالة من السباحة الذهنية مع فكرة العالم الواقعي المؤلم والأمل فى مستقبل أفضل .
أيضا استخدام الفنان ذلك اللون الأصفر الخفيف فى لوحة الزهور ليكسر حدة الظل ما بين الجدار والزهور فى براعة شديدة كذلك استخدامه النسب فى لوحة الزهور بشكل غاية فى التنسيق من حيث الضخامة والتشكيل وتوظيف العناصر للتعبير عن الفكرة من حيث استخدام الزهور والقلب والعين فى قمة العمل والطيور الآخذة فى الطيران والفم الذى تعددت مستوياته إلى أربعة من المستويات أو الظلال وكأنه يقول لنا أن المتحدث العصري بألف وجه وألف لسان وقد لاحظت تكرار الوجوه عنده فى مستوياتها فى لوحة القلب المتدلي فهذه لوحة تحتاج أيضا لكثير من الحديث لكثرة تفصيلاتها من حيث استخدام الضوء والظل والإنسان المستنسخ اذا جاز ليب استخدام هذا التعبير ولكني أرى أن استخدام الفنان للألوان بصورة خفيفة ومتدرجة جاء  فى صورة صالح العمل الفني ولكني اعترض على وجود اللوحة اللونية الصريحة فى المعرض التي ظهر فيها استخدام تشكيلات لونية متعددة فهي تكسر من وجهة نظري هارمونية العرض والرسالة اللونية للمعرض ككل أما  الصورة الأخرى التي لم تعجبني على الإطلاق شكلا ومعنى وقد يتفق معي البعض وقد يختلف ولكن لدى مبرراتي فى ذلك الراى أولا : أتسائل لماذا وضع المراة فى هذه الصورة ؟
المراة البقرة التي لا تعي الكثير ويبرهن على ذلك بإبرازه لمسمار كبير موضوع فى رأسها ؟وارتكانها على رجل هو فى الأساس قاعدة اللوحة ومركز ثباتها فى النصف الأسفل فمن قال ذلك ؟بالقطع ليس كل النساء هذه المراة فهناك الكثيرات اللاتي يتمتعن بأهلية كاملة فى المجتمع خاصة انه قد استخدم أعلى اللوحة ما يشبه الفراش المعد وهناك عين شاخصة اعتقد أن هذه اللوحة بالذات دلت على رأى الفنان فى المراة وفضحت تقديره لها بشكل كبير وربما انطبع كرهه لها على عدم احساسى الشخصي بهارمونية العمل وقوته مثل باقي اللوحات لقد اثر المضمون الفكري للفنان فى تصوره عن المراة على شكل اللوحة فلم تأتى بالقوة المعتادة التي وجدتها فى باقي لوحات إرهاصات نهاية العالم وكنت أتمنى أن أرى صورة مختلفة ومغايرة للمراة عن ذلك فأرى فيها ضعف لونى وقسوة فى التعامل وعدم هارمونية للعمل كما اعتاد الفنان دائما فى باقي لوحات المعرض .

     نهايات --------- وبدايات

فى نهاية هذه الدراسة لا أستطيع القول سوى اننى استمتعت كثيرا فى رحلة الإبحار القاسية لإرهاصات نهاية العالم واعتقد أن لوحات المعرض قدمت لنا لأول مرة صورة للفنان بشكل قوى ---- كذلك أرى فى هذا المعرض وجه د القماش نفسه فى بعض لوحاته ولا أدرى هل هذا مقصود منه ؟ أم أنها العلاقة القوية بينه وبين إبداعه مما جعل أبطال لوحاته لا يختلفون كثيرا عن شكله   الشخصي والذاتي وعلى كل حال لا يسعني إلا تقديم الشكر لهذا المبدع المتميز الذى دائما ما يصدمنا ولكنه    أيضا يمتعنا  وان كنت اختلف معه فى جزئية نظرته للمراة وأسجل عليه ذلك بكل وضوح ولكن ذلك لا يقلل من إبداعه وتاريخه الطويل كفنان وأستاذ اكاديمى تعتز الحركة التشكيلية المصرية بإبداعاته كثيرا واعتز أنا شخصيا بمتابعة رحلة عطائه الفنية بالرغم من كل مشاغباته السوريالية التي لا تنتهي .

                          بقلم : عزة أبو العز 








                                 

الجمعة، مارس 15، 2013

(((( اصداء الصمت ))))





(((  أصداء الصمت  )))

أبى الصمت بداخلها أن يخضع ويستكين – أبى أن يتوارى عن العيون ليأخذ هذا الركن البعيد الدفين فى معظم النفوس البشرية المستكينة لما فرضته عليها خيارات الحياة – فصرخ وكان لصرخته أصداء تعددت أصواتها بصوت الأنين والبكاء وربما بصوت تلون فى أشكاله بعدة وجوه للنساء .
نظراً لطبيعة عملها كفنانة تشكيلية أصبح لصمتها أشكال ولوحات وأهات وأنات --- رسمت لوحاتها الفنية وكأنها استبدلت مداد الحبر الأسود لرسوماتها الجرافيكية التي ترسمها بالأبيض والأسود بمداد من نبضات قلبها الأبي الذى لم يهدأ بعد ولم يستكن .

·  دخل معرضها المقام  فى آتيليه القاهرة دون أن يكون مرتباً لذلك فهو على موعد مع بعض الشعراء أقرانه اتفقوا على اللقاء هناك وكانت المصادفة عرض معرضها فى ذلك التوقيت.
·       دخل .. ومنذ أن رأت عيونه لوحاتها التي تنطق بالحياة .
·  تسائل بينه وبين نفسه --- ما الذى فقدته هذه الفنانة ودفع بها لرحلة البحث المضنية هذه ؟
·  هل فقدت الحب --- ؟ هل فقدت الدفء--- ؟ هل فقدت النطق فى عالم مليء بأصوات الغوغاء ---- ؟
·  ولكن من الواضح لي أنها بالفعل فقدت شيئا ما وهى لا تزال فى رحلة بحث لصدى الصوت المفقود بداخلها ---وردد قائلاً : لابد أن أقابلها أحدثها فهذه وحدها هي من أبحث عنها منذ زمن بعيد – لقد طال انتظاري كثيراً لأنثى مثلها --- أشعر أن روحها هائمة تريد الاستقرار تبحث عن الأمن فأمانها عندي أنا --- إنها تسكن قصائدي وأشعاري أعلمها جيداً إنها هي من أبحث عنها منذ أن عرف البشر معنى الحب فلوحاتها تنطق عنها وعالمها عالم رومانسي شديد الخصوصية عالم يظهر فيه الرجل بوضوح تام عالم يثبت أننا أمام إمرأة فنانة إمرأة نعم امرأة عانيت كثيراً كي أجدها إمرأة أحبت وتعذبت وفقدت --- إمرأة تحور الصمت بداخلها وتبدل ليصبح مناجاة فى محراب الحب الصمت أصبح تكويناً جسدياً لأنثى فى حالة عشق واحتياج --- الصمت لم يعد صمتا ًبل أصبح حلما أراه فى وجوه النساء اللاتي أبدعت فى رسمهن ---

أرى نداءك حبيبتي فى لوحاتك – فصمتك يناديني يصرخ بداخلك قائلاً : لماذا أنا مستقبلة لكل مشاعرك بعقل وقلب الأنثى وأنت دائما موصد الأبواب ؟
وظل شارداً يسأل نفسه : هل وقعت تلك المسكينة فريسة لمثل هذا النوع من الحب الذى لا يأتي إلا مرة واحدة ولا تسمع المرأة بعده لنبضات قلبها سوى مرة واحدة وإذا فقدت هذا الحب يصمت الكون كله إلا من أنات وأهات صوت قلبها .
أعلمك حبيبتي جيدا فأنا أنتظرك منذ زمن بعيد .
وعزم أمره لابد من محادثتها لا بل لابد من رؤيتها لا بل لابد من طلب ودها لا بل لابد من اكتمالنا فهي قصيدتي الناقصة --- أنشودتي المفقودة --- ملاك أحلامي الغائبة .

·  وبينما هو مستغرق فى تساؤلاته وأمنياته إلا ووجدها داخلة إلى صالة العرض كما تمناها دائماً– جميلة الجميلات --- سيدة بنات أفكاره التي أرهقته طويلا كي يبثها أشواقه وأماله وأحلامه --- ملاك ذات جمال خاص ولكنه ذاك الجمال الحزين الذى لا يستطيع وصفه إلا إياه ولا يشعر به إلا شاعر مثله .
·      قال لها ألا تعرفيني ؟
·      ردت بصوت خفيض مليء بالشجن --- هل إلتقينا ًمن قبل ؟
·      بادرها بالرد ::: نعم إلتقينا

إلتقينا منذ أن نزلت حواء لتبث الحياة على الأرض
إلتقينا منذ أول بيت شعر قاله قيس لليلى فانتشر فى البيداء
إلتقينا منذ أن بدأت إيزيس رحلتها فى البحث عن أشلاء
إلتقينا منذ أن عرفت طيبة لغة التوحيد فى الماضي البعيد
إلتقينا فى حالة من الوجد الصوفي بروحينا

     أتريدين دليلأ على لقاءنا
إسألي دقات قلبك ----- ماذا تقول ؟
إسألي ومضات فكرك ----- ماذا تقول ؟
إسألي حزنك الساكن بين الضلوع ----- ماذا يقول ؟

سيقولون لك إلتقينا --- بروحينا لا بجسدينا .

·      ابتسمت إبتسامة هادئة وقالت : شاعر أنت بالقطع .
·  قال : نعم --- وما وجد شعري إلا ليصفك أنت مليكتى – فأنت تمتلكين عقلأ فى حالة تفكير دائم لم تبعدي كثيراً عن جوهر ذاتك وكينونتك وإلا ما كانت لوحاتك تنطق بكل هذا رغم بشاعة الصمت .
·  صامتة هي لا تنطق ولكنها فى حيرة من أمره : إنه يقرأها يفهمها يغوص داخل خلاياها فلماذا ترد - وبما ذا ترد ؟
·  وكأن الكلمات محيت تماماً من ذاكرتها لم تجد ما ترد به عليه بل نظرت إليه وشردت بأفكارها وكأنها هي الأخرى تحولت للوحة صامتة ضمن لوحاتها المعلقة على الحائط لا تملك سوى الصراخ المكتوم فى صمت ولا يملك هو إلا الاستجابة لأصداء هذا الصمت .
·  قال لها : أرجوك ردى على تحدثي أريد سماع صوتك انتظر ردك منذ زمن بعيد --- أنا لست رجلاً أهوج رأى إمرأة جميلة فو قع فى هواها إننى رجل مكتمل الرجولة تجاوز عمري الأربعين بقليل --- لي مكانتي الأدبية والفكرية ولكني فعلاً أبحث عنك منذ زمن طويل وانتظرتك كثيراً ولم أكن اعلم أن اليوم هو يوم سعدي ولحظتي هذه هي أهم لحظات عمري على الإطلاق .

صمتت وصمت وأستمع كل منهما لأصداء صمته ولكن فى لحظة خاطفة شق حوار الصمت البليغ الدائر بينهما صوت جهوري لرجل ذو قسمات حادة وهيئة رسمية مثل هؤلاء الذين يسيرون فيتبعهم العشرات من ذوى القامات الطويلة والنظارات السوداء --- رجل يتسم بالوقار الشديد والنظرة المغلفة بالغموض ما أن دخل إلى صالة العرض وكأنه عزف على اللوحات المعلقة على الجدران بدخوله عزف من نوع خاص --- زادت ضربات قلبها وزادت أصداء الصمت بين اللوحات ---- تفحصه بنظرة شديدة ولم يعره اهتماماً كأنه ليس واقفاً أمامه ومال عليها فأرتعدت فرائسها قائلاً : هيا --- كفى مضيعة للوقت --- لابد وأن أعود للبيت الأن عندي أعمال هامة لابد من إتمامها .
                            بقلم : عزة أبو العز