بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، مارس 15، 2013

(((( اصداء الصمت ))))





(((  أصداء الصمت  )))

أبى الصمت بداخلها أن يخضع ويستكين – أبى أن يتوارى عن العيون ليأخذ هذا الركن البعيد الدفين فى معظم النفوس البشرية المستكينة لما فرضته عليها خيارات الحياة – فصرخ وكان لصرخته أصداء تعددت أصواتها بصوت الأنين والبكاء وربما بصوت تلون فى أشكاله بعدة وجوه للنساء .
نظراً لطبيعة عملها كفنانة تشكيلية أصبح لصمتها أشكال ولوحات وأهات وأنات --- رسمت لوحاتها الفنية وكأنها استبدلت مداد الحبر الأسود لرسوماتها الجرافيكية التي ترسمها بالأبيض والأسود بمداد من نبضات قلبها الأبي الذى لم يهدأ بعد ولم يستكن .

·  دخل معرضها المقام  فى آتيليه القاهرة دون أن يكون مرتباً لذلك فهو على موعد مع بعض الشعراء أقرانه اتفقوا على اللقاء هناك وكانت المصادفة عرض معرضها فى ذلك التوقيت.
·       دخل .. ومنذ أن رأت عيونه لوحاتها التي تنطق بالحياة .
·  تسائل بينه وبين نفسه --- ما الذى فقدته هذه الفنانة ودفع بها لرحلة البحث المضنية هذه ؟
·  هل فقدت الحب --- ؟ هل فقدت الدفء--- ؟ هل فقدت النطق فى عالم مليء بأصوات الغوغاء ---- ؟
·  ولكن من الواضح لي أنها بالفعل فقدت شيئا ما وهى لا تزال فى رحلة بحث لصدى الصوت المفقود بداخلها ---وردد قائلاً : لابد أن أقابلها أحدثها فهذه وحدها هي من أبحث عنها منذ زمن بعيد – لقد طال انتظاري كثيراً لأنثى مثلها --- أشعر أن روحها هائمة تريد الاستقرار تبحث عن الأمن فأمانها عندي أنا --- إنها تسكن قصائدي وأشعاري أعلمها جيداً إنها هي من أبحث عنها منذ أن عرف البشر معنى الحب فلوحاتها تنطق عنها وعالمها عالم رومانسي شديد الخصوصية عالم يظهر فيه الرجل بوضوح تام عالم يثبت أننا أمام إمرأة فنانة إمرأة نعم امرأة عانيت كثيراً كي أجدها إمرأة أحبت وتعذبت وفقدت --- إمرأة تحور الصمت بداخلها وتبدل ليصبح مناجاة فى محراب الحب الصمت أصبح تكويناً جسدياً لأنثى فى حالة عشق واحتياج --- الصمت لم يعد صمتا ًبل أصبح حلما أراه فى وجوه النساء اللاتي أبدعت فى رسمهن ---

أرى نداءك حبيبتي فى لوحاتك – فصمتك يناديني يصرخ بداخلك قائلاً : لماذا أنا مستقبلة لكل مشاعرك بعقل وقلب الأنثى وأنت دائما موصد الأبواب ؟
وظل شارداً يسأل نفسه : هل وقعت تلك المسكينة فريسة لمثل هذا النوع من الحب الذى لا يأتي إلا مرة واحدة ولا تسمع المرأة بعده لنبضات قلبها سوى مرة واحدة وإذا فقدت هذا الحب يصمت الكون كله إلا من أنات وأهات صوت قلبها .
أعلمك حبيبتي جيدا فأنا أنتظرك منذ زمن بعيد .
وعزم أمره لابد من محادثتها لا بل لابد من رؤيتها لا بل لابد من طلب ودها لا بل لابد من اكتمالنا فهي قصيدتي الناقصة --- أنشودتي المفقودة --- ملاك أحلامي الغائبة .

·  وبينما هو مستغرق فى تساؤلاته وأمنياته إلا ووجدها داخلة إلى صالة العرض كما تمناها دائماً– جميلة الجميلات --- سيدة بنات أفكاره التي أرهقته طويلا كي يبثها أشواقه وأماله وأحلامه --- ملاك ذات جمال خاص ولكنه ذاك الجمال الحزين الذى لا يستطيع وصفه إلا إياه ولا يشعر به إلا شاعر مثله .
·      قال لها ألا تعرفيني ؟
·      ردت بصوت خفيض مليء بالشجن --- هل إلتقينا ًمن قبل ؟
·      بادرها بالرد ::: نعم إلتقينا

إلتقينا منذ أن نزلت حواء لتبث الحياة على الأرض
إلتقينا منذ أول بيت شعر قاله قيس لليلى فانتشر فى البيداء
إلتقينا منذ أن بدأت إيزيس رحلتها فى البحث عن أشلاء
إلتقينا منذ أن عرفت طيبة لغة التوحيد فى الماضي البعيد
إلتقينا فى حالة من الوجد الصوفي بروحينا

     أتريدين دليلأ على لقاءنا
إسألي دقات قلبك ----- ماذا تقول ؟
إسألي ومضات فكرك ----- ماذا تقول ؟
إسألي حزنك الساكن بين الضلوع ----- ماذا يقول ؟

سيقولون لك إلتقينا --- بروحينا لا بجسدينا .

·      ابتسمت إبتسامة هادئة وقالت : شاعر أنت بالقطع .
·  قال : نعم --- وما وجد شعري إلا ليصفك أنت مليكتى – فأنت تمتلكين عقلأ فى حالة تفكير دائم لم تبعدي كثيراً عن جوهر ذاتك وكينونتك وإلا ما كانت لوحاتك تنطق بكل هذا رغم بشاعة الصمت .
·  صامتة هي لا تنطق ولكنها فى حيرة من أمره : إنه يقرأها يفهمها يغوص داخل خلاياها فلماذا ترد - وبما ذا ترد ؟
·  وكأن الكلمات محيت تماماً من ذاكرتها لم تجد ما ترد به عليه بل نظرت إليه وشردت بأفكارها وكأنها هي الأخرى تحولت للوحة صامتة ضمن لوحاتها المعلقة على الحائط لا تملك سوى الصراخ المكتوم فى صمت ولا يملك هو إلا الاستجابة لأصداء هذا الصمت .
·  قال لها : أرجوك ردى على تحدثي أريد سماع صوتك انتظر ردك منذ زمن بعيد --- أنا لست رجلاً أهوج رأى إمرأة جميلة فو قع فى هواها إننى رجل مكتمل الرجولة تجاوز عمري الأربعين بقليل --- لي مكانتي الأدبية والفكرية ولكني فعلاً أبحث عنك منذ زمن طويل وانتظرتك كثيراً ولم أكن اعلم أن اليوم هو يوم سعدي ولحظتي هذه هي أهم لحظات عمري على الإطلاق .

صمتت وصمت وأستمع كل منهما لأصداء صمته ولكن فى لحظة خاطفة شق حوار الصمت البليغ الدائر بينهما صوت جهوري لرجل ذو قسمات حادة وهيئة رسمية مثل هؤلاء الذين يسيرون فيتبعهم العشرات من ذوى القامات الطويلة والنظارات السوداء --- رجل يتسم بالوقار الشديد والنظرة المغلفة بالغموض ما أن دخل إلى صالة العرض وكأنه عزف على اللوحات المعلقة على الجدران بدخوله عزف من نوع خاص --- زادت ضربات قلبها وزادت أصداء الصمت بين اللوحات ---- تفحصه بنظرة شديدة ولم يعره اهتماماً كأنه ليس واقفاً أمامه ومال عليها فأرتعدت فرائسها قائلاً : هيا --- كفى مضيعة للوقت --- لابد وأن أعود للبيت الأن عندي أعمال هامة لابد من إتمامها .
                            بقلم : عزة أبو العز

هناك تعليقان (2):

  1. أحسنتى أستاذه عزه على طرح موضوعات فى شتى المجالات ونتطلع للمزيد برغم ضيق الوقت لديكى فنحن ننتظر مايخطه قلمك
    تقبلى مرورى

    ردحذف
  2. شكرا جزيلا لمرورك العطر استاذ عماد واتمنى ان تجد حروفى طريقها لعقول وقلوب من يطلع عليها
    كما اتمنى ان تجد دائما المتعة الفكرية والادبية فى مدونتى .

    ردحذف