جلال --- كمال رحيم
------ وأيام الشتات
فى ظل هذه الأجواء
السياسية الملتهبة والحوارات الدائرة فى الوسط الثقافي والسياسي العربي أردت أن اخذ
قسطا من الراحة فى ظل إحدى الروايات التي عادة ما تخرجني من هذه الأجواء الصاخبة وجفاء كلمات الساسة – فامتدت يداى إلى عمل ابداعى
رائع كان قد أهداه لي الكاتب و الروائي المتميز كمال رحيم منذ فترة و هي و رواية
ايام الشتات الصادرة عن وكالة سفنكس للفنون والآداب لأجد نفسي غارقة فى تفاصيله الروائية
بمتعة كبيرة لما يحتويه من مجموعة من الثوابت داخل المجتمع الانسانى وحرصي اليوم أن
اكتب لكم عنه نابعا من ايمانى العميق بان فكر المبدع يسبق تخطيط السياسي فى كثير
من الأحيان لذلك أرى أن رواية كمال رحيم
رواية شديدة المصرية
في وصف أماكنها شديدة العالمية بما تحتويه
من مشاعر وأفكار لذا اعتقد أن الكاتب استطاع أن يحجز لنفسه مقعدا في صفوف الأدب
العالمي .
استطاع كمال رحيم أن
يسجل لحقبة زمنية وتاريخية في غاية الأهمية راصدا لأهم الحروب التي مرت بها مصر
ليس هذا فقط بل ارتفع الأديب في روايته لمناقشة مجموعة من القيم الإنسانية التي هي
قمة في السمو والتضاد في أن واحد نراه معبرا عن علاقة تلاقى حوار الأديان ما بين
الشد والجذب في المجتمع الفرنسي من خلال تلك العلاقة الشائكة ما بين عائلة الجد زكى الازرع وعائلة الشيخ منجى المسلم التونسي .
كما استطاع أن يشرح
لنا بصورة وصفية ولغة سردية بالغة الدقة والروعة خفايا وتفاصيل المجتمع اليهودي من
خلال عائلة أم جلال كما وضع يده على نقطة
اختلاف اليهودية في كونها دين سماوي وبين مفهوم الصهيونية الحركة السياسية بكل أفعالها البغيضة كل ذلك في لغة سهلة وبسيطة وواقعية بعيدة عن
لغة الحوار الموجه العنتري بل ساق ذلك من خلال الحوار الروائي الواقعي
من خلال قراءتي
للرواية أتضح لي تمكن كمال رحيم من أدواته الفنية
أولا فهو كاتب صاحب
قضية حيث استقى روايته من واقع مؤلم
وحزين مرت به عائلة اليهودي المصري زكى الازرع ومن خلال تلك البداية عرض لمجموعة من القضايا المهمة وفى
مقدمتها قضية العلاقة بين المسلم
واليهودي والفرق بين اليهودي والصهيوني وقضية الانتماء للوطن الذي يفوق اى انتماء
أخر بالإضافة لفكرة تقبل الأخر والتعايش معه وهذا ما حدث في نهاية الرواية من نشوء
العلاقة الجيدة ما بين الشيخ منجى وزكى الازرع .
ومن أهم المضامين
التي قامت عليها الرواية مفهوم الحب وما
يحدثه في نفوس البشر واقصد هنا الحب بكل
صوره ( حب جلال العذري البريء لنادية في القاهرة وحبه لخديجة في فرنسا مع اختلاف
وجهة نظره وإحساسه بهذا الحب وحبه لجده
وهنا حالة خاصة في الحب ما بين جلال والجد
واعتقد من وجهة نظري أن هذا هو
أهم حب في الرواية كلها هذا هو الحب
الانسانى الذي جمع فيه الابن والجد حالة
من التوحد والانتماء والاهتمام بما يحتويه
من كل مظاهر خوف الحبيب على حبيبه
.
لذلك اعتقد أن حب
جلال لجده والعكس صحيح هو عصب الرواية بل
وعصب كل شيء انسانى وجميل وربما بعد موت
الجد عاش الابن جلال بالفعل أيام الشتات ونجد ذلك واضحا من المنولوج الداخلي الذي ساقه الكاتب في نهاية الرواية على لسان
جلال من إحساسه بالغربة وعدم الانتماء لاى
من عائلتيه سواء لامه أو لأبيه
هنا بالفعل ندرك مدى
ألازمه النفسية التي وقع فيها جلال بعد فقده لجده .
أما من ناحية الأسلوب
السردي فقد كسبت الحركة الأدبية المصرية
كاتب مبدع يعلم جيدا كيف بصيغ العبارة في
سهولة ويسر بلغة عامية ولكنها عامية رشيقة تخدم المضمون ولا تسفه منه كاتب يملك
مفردات الحارة ولغة تخاطب البسطاء كاتب لابد أن يكون من نبت هذا الشعب الطيب
البسيط ليس هذا فقط بل هو كاتب قادر على الوصف مثلما هو قادر على السرد فالصورة
عنده تسبق الكلمة بمراحل كثيرة وربما هذا
يؤهل أعماله لان تعرض على شاشات السينما أو التليفزيون .
فهو كاتب يمتلك رؤية
بصرية لا تقل في أهميتها عن رؤيته الفكرية وكما أجاد في وصفه لجو الحارة المصرية من خلال وصفه لحى الضاهر أجاد
أيضا في وصفه لشوارع وأحياء فرنسا واراه في الرواية قد استغل معرفته الجيدة
بالواقع الفرنسي فعبر عن شوارعها وحواريها
خير تعبير .
وان دل ذلك عندي
فإنما يدل على واقعية أدبه فهو يكتب أدبا
واقعيا يستمد قوته من قوة الواقع باتضاح عنصري الزمان والمكان فيه معا وهذا هو
الأدب الذي أفضله الأدب الذي يجعلني
متحدة زمنيا ومكانيا مع الإحداث بشكل عام
من الأشياء
الجيدة التي أعجبت بها في السياق الدرامي
هي استغلال الكاتب لثقافته التاريخية والقانونية في عرضه لزيارة الرئيس السادات لتل أبيب ووصفه لبعض قادة
فرنسا ووصفه الرائع للواقع العربي من خلال الجاليات العربية في فرنسا كما ظهرت
ثقافته المعرفية بوضوح تام من خلال عرضه لعروض الأوبرا العالمية وجولات جلال وخديجة بعد الزواج في ( شهر العسل
) شعرت من خلال السياق السردي مدى معرفة الكاتب وإطلاعه بل واتحاده مع الثقافات
الغربية .وتأكيد الرواية على قيمة من أهم القيم ألا وهى
( الدين لله والوطن للجميع ) بقلم عزة أبو العز
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق