إرهاصات ------------- نهاية العالم
إرهاصات
نهاية العالم --- يصدمك القماش للوهلة الأولى بعنوان معرضه ثم يدعك تدخل بنفسك
وتغوص داخل أعماله الأسطورية المليئة
بالكثير من المعاني والصرخات والأنات فى آن وهذه هي عادته يصدمك ثم يدعوك للدخول إلى
عالمه الفني على الرحب والسعة ولكن شرطه الأول الذى يجب أن يضعه مرتادي فن القماش أن
يكونوا على أتم الاستعداد لان يبحروا فى رحلة خارج إطار الزمن الفعلي والمعقول
والمعتاد يجب أن تكون مستعدا بل مغامرا وتعلم انك ستتقابل مع شخوص ورسومات تكاد
تكون متلبسة بأرواح على غير العادة يراها البعض شريرة والبعض الأخر يراها إنسانية إلى
أقصى درجة بل افلاطونية التكوين والمعاني وهذا ما أراد القماش أن يقوله فلوحاته
تقول لك ---- توقف إنها نهاية العالم ---- ولكن بدهشة رائعة تواصل وتقول لك وبداية
العالم الجديد الافلاطونى الجمالي إنها نهاية كل ما هو مادي لاستبداله بما هو
انسانى روحاني .
وكعادته
دائما كثير التفاصيل --- دقيق الملاحظة --- متقن الأداء --- بالإضافة لكثرة العيون
فى لوحاته التي تضعنا أمام تساؤل مهم : هل هي عيون الناقد الكاشف ؟ أم المحلل لكل
مساوىء العالم المادي المعاش ؟ أم أنها رمزية الرؤية فى اتجاهات شتى ؟ أم هي
الرغبة فى الخلاص ؟
جمع
الفنان أسطورية المعنى مع مفرداته التي تعودنا ها منه فى الأبواق الشاردة
ومخلوقاته الغريبة ولم ينس مفرداته من الدبابيس والمسامير والأشكال الحديدية
الساكنة مضمونا والمتحركة المتوهجة المنصهرة معنا ------- انه عالم القماش
الاسطورى الذى يضعنا أمام فوضى السوريالية المنظمة ففكرة الجنون المقبولة هي كل
المتناقضات فى إبداع هذا الفنان .
الشكل ------------
والمضمون
·
مضمون القماش مضمون مشروع فنان وليس معرض منفصل محدد بفترة زمنية فمن خلال
قراءاتي ومتابعتي لرحلة عطاء الفنان أجد انه بدا هذا المشروع منذ عام 90 فى معرض
ضد الحرب بأكثر من 40 عمل كان فيها ضد الحرب اى ضد كل ما هو سيء( الغدر – الخيانة –
الغش - الخ )ثم أتى عام 93 ليؤكد مشواره
وتتحسس خطاه بين الحلم والواقع وكانت كل العناصر تحترق فى الحركة التشكيلية والاحتراق فى أعماله
ما هو إلا نوع من التطهر آنذاك --- ويستمر الفنان فى تطور مشروعه ليؤكده بمعرض (
رؤية لإنسان القرن الواحد و العشرين ) عام 95 ويزداد المشروع وضوحا وتكثر هواجسه وتكوينا
ته وتبلغ لديه قمة الانفعال لتدفعه دفعا إلى السفر فى المجهول الذى أتى نتيجة سفره
خارج البلاد فقضى رحلته ما بين الذهب والفضة والشياطين ويواصل المشوار اكتماله
وتزداد الإرهاصات فى معرض الصمت المسكون 2006 بسبب سفره إلى سلطنة عمان وفى هذه السفرة
حكى لي الفنان بنفسه أن خيالات العناصر كانت تعيش معه وكان البطل هو البوق النحاسي
الذى تحول إلى كيان انسانى يسمعه ويراه يتمدد ويتنفس أمامه --- وياتى بعد ذلك معرض
الأسطورة عام 2008 ثم التجربة الأقوى والأصعب على الإطلاق فى معرض أمنا الغولة التي
أحدثت ضجة كبيرة فى الأوساط الفنية التشكيلية آنذاك ثم تبعه عام 2010 بمعرض الخيال
الجامح ليصل ألان إلى المرحلة الأهم من مشروعه الفني ألا وهى ( إرهاصات نهاية
العالم ) والمتابع جيدا لرحلة عطاء القماش يدرك أن أشكال معارضه تتسق تماما مع
مضمون مشروعه الفني السوريالى الذى يضعه فى مصاف الفنانين ذوى الإبداع الحقيقي
فالقماش تخطى مرحلة الفن العادي إلى الإبداع
الذى لا يبعد كثيرا عن مرحلة العبقرية فى التناول ---- فكل فنان جاد لديه شيء من
العبقرية اذا استطاع أن يخرج من الإطار الشكلي المعتاد والتناول الرتيب إلى أفاق أرحب
فى الشكل والمضمون .
عندما ينطق الحجر ---------
فى
هذا المعرض نجد الاستخدام المتميز للحجر الذى تدب فيه الحياة ليكون بمثابة عنصر تفاعلي
مكمل للوحه الفنية فهو تارة يستخدم فى التكوين كعنصر اساسى مثلما هو حادث فى تشكيل
الوجوه المتعددة ومرة أخرى ياتى خلفية و رمزية لحالة الجمود المادي الذى يأمل
الفنان أن يقضى عليها بإرهاصات جديدة مغايرة --- وياتى فى لوحة أخرى مشكلا جسم
اللوحة مما يدل على الثبات والرسوخ والارتفاع والمنعة والحصانة فى آن وكأنه يريد أن
يقول للمتلقي أن ماديات العالم وبشاعته راسخة رسوخ الجبال لذا يستخدم الفنان فى
تناقض غريب الزرع الذى يشق قلب الحجر أملا فى استشراف عالم أكثر إنسانية وأكثر
رحابة نستطلعه فى عيون القماش الكثيرة التي
تطل علينا فى حالة من الترقب واليقظه
تارة وحالة من الشرود والحزن تارة أخرى وفى هذه اللوحة بالذات التي أطلقت
عليها أنا اسم ( قلب الحجر ) نظرا
لاحتوائها على خط رفيع لقلب يقف وحيدا على شمال تكوين الصورة فهنا نجد رؤية كاملة للإرهاصة
الجديدة بتواجد القلب والزرع الذى يقاوم هذا التشكيل الحجري القوى والطائر الذى هو
فى حالة من التأهب للانطلاق وفى لوحة أخرى
لا تقل روعة وجاذبية من لوحة قلب الحجر نجد اللوحة ذات الوجوه المتعددة نظرا
لانعكاس الوجه البشرى بإضفاء مجموعه من الظلال لتكون لنا تشكيلات أخرى لذات الوجه
و لكن بملامح مختلفة وكأنه نوع من الاستنساخ لكل ما هو مادي ورصين وواضح إلى صور
اقل حدة وأكثر عمقا حتى تتلاشى هذه الظلال لتكون أشكال من الطيور وذاك القلب الذى
يطوق تلك الحضارة المادية ليتدلى برومانسية رائعة وعليه مجموعة من الصور فى دلالة
غامضة أن الحب الانسانى لن ياتى إلا بصحبة وإتقان انسانى لا محدود .
الوجوه المتعددة --------
لا
يخفى على احد سيطرة فكرة الوجوه المتعددة على معرض القماش وهناك لوحة غاية فى الروعة
يخيل إلى
أنها واصفة لحال مجتمعاتنا المادية فالوجوه متراصة
يقف بعضها فوق بعض تعلوها أعلام غير معروفه الهوية وجوه يرقب كل منها الأخرى وكلها شاخصة إلى هذا
الحراك الخطير المتداخل فى المنتصف وكأنها هي
الأخرى ناظرة فى عدة اتجاهات وهذه اللوحة تعطيني إيحاء أن هذه هي صورة
المسرح الكوني --- فهناك مسرح بالفعل منصوب على دعامات من الحديد القوي جدا يقف
عليه كثير من الوجوه الشاخصة تتوسطهم الحدوتة
المنشودة بكل تفاعلاتها وحراكها وتعلوها الستارة المسرحية التي ربما هي فى وضع إسدال
أو وضع لملمة بحركات تتناسب إلى حد كبير مع مضمون الأعمال الفنية فى لوحات الفنان
.
التناسق اللوني ----------
كعادته
دائما استخدم لونيه المفضلين الأبيض والأسود لونى التضاد الدائم والثابت فى أعماله
وكأنه يؤكد لنا انه دائما وأبدا واقع بين هذين اللونين مما يعنى التداخل الفكري أيضا
فى لوحاته وهو بهذين اللونين الرائعين يفتح للمشاهد أفاقا رحبة من التفكير كي يسبح
بفكره بين خيارين لا ثالث لهما وأحيانا يسبح بين خيارين لا اختيار بينهما .كما نرى
تخلل اللوحات بعض من الألوان الخفيفة كعادته فى بعض معارضه حيث انه يطعم بعض
لوحاته بتلك الألوان الخفيفة وكان لسان حاله يقول لنا أنا المصور الجدارى – الرسام – الفنان – المتفلسف
بالفرشاة والألوان .
الضوء والظل -----------
اعتاد
الفنان الدكتور السيد القماش أن يكون لعنصري الضوء والظل مكانة متميزة فى كل أعماله
الإبداعية ومن وجهة نظري استغلال القماش للضوء والظل عن طريق اللونين الأبيض والأسود
هما ابرز أدواته الإبداعية وفى معرضه
هذا إرهاصات نهاية العالم أرى أن القماش
بلغ ذروة الاستخدام الجيد لعنصري الضوء والظل فقد أصبح الضوء والظل من أهم عناصر
التكوين فى اللوحة ونرى ذلك فى التركيز الشديد للظلال فى قاعدة اللوحات مما يعطى إيحاء بالثبات والقوة لبناء
التشكيل اى كان نوع التشكيل ( جسم – وجه – مكون ما ) وفى لوحة تعد من اغرب وأروع
لوحات المعرض على الإطلاق وهى لوحة الآلة
الضخمة التي تتوسطها استخدام لونى خفيف نراه هنا يجعل من الضوء والظل عنصر البطل
فى خلق نوع من التوازن المرئي ما بين الأرض والسماء تدرجات الظل هنا رائعة ومتدرجة
إلى حد كبير تلك اللوحة التي أرى فيها القماش بشكل لم اعهده من قلب فهنا قلب
العالم الجديد اوقلب الفنان الحالم بتلك
السماء المليئة بزهور اللوتس
الفرعونية وعين الطائر المميزة التي هي فى حقيقتها عين الرؤية المستقبلية الناظرة
للمستقبل بل وهى فى حد ذاتها ذاكرة هذا المخلوق أو هذا العالم التي تريد الحب
وتحلم به والحب هنا ما هو إلا تحقيق كل المعاني
الطيبة والثوابت والقيم اى الحب بمفهومه
العام الذى يتحقق به السلام للعالم اجمع .
كما
أرى استخدام الضوء والظل بشكل ممتاز
ومتدرج فى لوحة الهلال نجد التدرج اللوني من الأسود
الغامق إلى الأسود الأخف حدة مما يعطى إحساسا بالامتداد وهنا نجد أن عنصر الظل أصبح
هو العنصر البطل فى معرض إرهاصات نهاية العالم لاننى أجد فيه الاستخدام الامثل لإيصال
رسالة الفنان عن نهاية العالم من اجل حضور
بدايات أخرى أكثر إشراقا
هارمونية العمل -----------
دائما
ما تلعب مفردات القماش الكثيرة دورها المعتاد فى خلق نوع من الهارمونية فى لوحات
المعرض ككل فالبيوت الحديدية أو القواعد الثابتة التي ترتكن عليها معظم لوحات
المعرض نجدها سمة أساسية تتسق مع تكوين اللوحات ويخلق لنا نوع من الثبات فى الرؤية
والنسب بين أبعاد اللوحة فى مجمل اللوحات --- التوزيع الجيد لعنصري الضوء والظل فى
اللوحات أصبح مكون اساسى فى إظهار مضمون اللوحة والاتساق معها واستخدامه للون فى
قليل من اللوحات نجده استخدام موظف إلى حد كبير فهو يكسربه حدة اللوحة مثلما
استخدمه فى لوحة الآلة الكبيرة وفى هذه اللوحة بالذات أرى أنها تحتاج لقراءة
متعمقة من المشاهد حيث ظهر فيها إبداع الفنان بوضوح شديد وظهر فيها أيضا تلخيص
لمفهوم المعرض ككل عن إرهاصات نهايات العالم ففي النصف الأسفل من اللوحة نرى
العالم المادي بكل بشاعته وتركيباته المعقدة وفى منتصف اللوحة نجد مساحة من البراح
اللوني فى الخلفية ثم مستوى ثالث للرؤية وهو أيضا متدرج على ثلاثة أنواع من التدرج
اللوني فى هارمونية مبدعة واللوحة ككل يبدو لي فيها مضمون المعرض وتلخيص لرحلة قرن
كامل ورؤية مستقبلية للعالم القادم ----- وقد اجادالقماش فى ذلك إلى حد كبير
هارمونية الحجر ---- أرى أن الفنان قد استخدم
الحجر بشكل بارع حيث ظهر لنا فى بعض اللوحات خلفية للوحة وفى ذات اللوحة هو جزء من
تكوينها الانسانى فالحجر تشكل منه الوجه والخلفية فى توزيع ناجح للمسافات البيضاء
والظلال وربما الإجادة أتت من استعماله الأبيض والأسود فى أعماله الجرافيكية أما
لوحة المسرح الكبير تعد قمة الاستخدام لهارمونية العناصر وتوزيعها بنسب مذهلة
وعندما أتفحصها جيدا أعجب حقا من قدرة هذا الفنان على حشد كل أدواته القديمة
المعتادة وربطها بالحاضر وتطلعها إلى المستقبل هو فى الأساس قاعدة اللوحة من خلال تلك العيون على هيئة أقنعة المسرح
المعتادة وكأنه يقول لنا ما العالم إلا مسرح كبير وهذه هي مفرداته وهذه هي شخوصه
وهذه هي رؤيتي لكل ما يدور وأيضا يستخدم ذلك اللون الأصفر الخفيف الذى لا يعطى
انطباعا أو تأكيدا لونيا واضحا ليجعلنا فى حالة من السباحة الذهنية مع فكرة العالم
الواقعي المؤلم والأمل فى مستقبل أفضل .
أيضا
استخدام الفنان ذلك اللون الأصفر الخفيف فى لوحة الزهور ليكسر حدة الظل ما بين
الجدار والزهور فى براعة شديدة كذلك استخدامه النسب فى لوحة الزهور بشكل غاية فى
التنسيق من حيث الضخامة والتشكيل وتوظيف العناصر للتعبير عن الفكرة من حيث استخدام
الزهور والقلب والعين فى قمة العمل والطيور الآخذة فى الطيران والفم الذى تعددت
مستوياته إلى أربعة من المستويات أو الظلال وكأنه يقول لنا أن المتحدث العصري بألف
وجه وألف لسان وقد لاحظت تكرار الوجوه عنده فى مستوياتها فى لوحة القلب المتدلي
فهذه لوحة تحتاج أيضا لكثير من الحديث لكثرة تفصيلاتها من حيث استخدام الضوء والظل
والإنسان المستنسخ اذا جاز ليب استخدام هذا التعبير ولكني أرى أن استخدام الفنان للألوان
بصورة خفيفة ومتدرجة جاء فى صورة صالح
العمل الفني ولكني اعترض على وجود اللوحة اللونية الصريحة فى المعرض التي ظهر فيها
استخدام تشكيلات لونية متعددة فهي تكسر من وجهة نظري هارمونية العرض والرسالة
اللونية للمعرض ككل أما الصورة الأخرى التي
لم تعجبني على الإطلاق شكلا ومعنى وقد يتفق معي البعض وقد يختلف ولكن لدى مبرراتي
فى ذلك الراى أولا : أتسائل لماذا وضع المراة فى هذه الصورة ؟
المراة
البقرة التي لا تعي الكثير ويبرهن على ذلك بإبرازه لمسمار كبير موضوع فى رأسها
؟وارتكانها على رجل هو فى الأساس قاعدة اللوحة ومركز ثباتها فى النصف الأسفل فمن
قال ذلك ؟بالقطع ليس كل النساء هذه المراة فهناك الكثيرات اللاتي يتمتعن بأهلية
كاملة فى المجتمع خاصة انه قد استخدم أعلى اللوحة ما يشبه الفراش المعد وهناك عين
شاخصة اعتقد أن هذه اللوحة بالذات دلت على رأى الفنان فى المراة وفضحت تقديره لها
بشكل كبير وربما انطبع كرهه لها على عدم احساسى الشخصي بهارمونية العمل وقوته مثل باقي
اللوحات لقد اثر المضمون الفكري للفنان فى تصوره عن المراة على شكل اللوحة فلم تأتى
بالقوة المعتادة التي وجدتها فى باقي لوحات إرهاصات نهاية العالم وكنت أتمنى أن أرى
صورة مختلفة ومغايرة للمراة عن ذلك فأرى فيها ضعف لونى وقسوة فى التعامل وعدم
هارمونية للعمل كما اعتاد الفنان دائما فى باقي لوحات المعرض .
نهايات --------- وبدايات
فى
نهاية هذه الدراسة لا أستطيع القول سوى اننى استمتعت كثيرا فى رحلة الإبحار
القاسية لإرهاصات نهاية العالم واعتقد أن لوحات المعرض قدمت لنا لأول مرة صورة
للفنان بشكل قوى ---- كذلك أرى فى هذا المعرض وجه د القماش نفسه فى بعض لوحاته ولا
أدرى هل هذا مقصود منه ؟ أم أنها العلاقة القوية بينه وبين إبداعه مما جعل أبطال
لوحاته لا يختلفون كثيرا عن شكله الشخصي والذاتي
وعلى كل حال لا يسعني إلا تقديم الشكر لهذا المبدع المتميز الذى دائما ما يصدمنا
ولكنه أيضا يمتعنا وان كنت اختلف معه فى جزئية نظرته للمراة وأسجل
عليه ذلك بكل وضوح ولكن ذلك لا يقلل من إبداعه وتاريخه الطويل كفنان وأستاذ
اكاديمى تعتز الحركة التشكيلية المصرية بإبداعاته كثيرا واعتز أنا شخصيا بمتابعة
رحلة عطائه الفنية بالرغم من كل مشاغباته السوريالية التي لا تنتهي .
بقلم : عزة أبو
العز
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق