بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، نوفمبر 11، 2016

ندوة ومعرض وكلمات من القلب فى حفل تكريم القماش ** بقلم ** عزة أبو العز



ندوة ومعرض وكلمات من القلب فى حفل تكريم القماش
بقلم / عزة أبو العز
حضرت بالأمس  ندوة ومعرض وحفل تكريم الراحل المبدع الكبير الأستاذ الدكتور السيد القماش فى قاعة أوستراكا للفنون التشكيلية  فى وسط البلد بحضور نخبة من كبار النقاد الكاتب والناقد الكبير سمير غريب والناقد الفنان  الدكتور رضا عبد السلام والأستاذ الفنان أحمد الجناينى والأستاذ الدكتور الشاذلى عبد الله بالإضافه لنجله الشاب أحمد القماش والسيدة شقيقته هدى القماش وعدد كبير من زملائه وطلابه ومحبى فنه الجميل
تحدث فيها الجميع من القلب عن مبدع حقيقى قدم الكثير وأخلص فى عطائه فظل حاضراً بما تركه من إرث فنى وإنسانى فى قلوب كل من تعامل معه عن قرب
ورغم صدق المشاعر وحرارة اللقاء  ومع بداية العرض الوثائقى عن سيرته الذاتية وبعض صوره وأعماله لم أستطع أن أفصل نفسى عن حضوره الطاغي على ذهني واستحضار كثير من كلماته وأرائه وجلساته النقاشية معى فى كثير من اللقاءات التى جمعتني به منذ منتصف التسعينات وكان أولها فى مرسمه بوكالة الغورى فى حضن القاهرة الفاطمية بكل عراقتها وبحضور صديقنا المشترك الأستاذ الدكتور فتحى أحمد الفنان القيمة والقامة عليه رحمة الله
وسط كلمات الحضور تأكد لى أن القماش الإنسان والفنان أعطى بسخاء لكى يبقى رغم الرحيل خيل إلى أنه كان يشاركنا حفل تأبينه وتكريمه رغم غيابه الجسدى ولكنه كان حاضراًبروحه الشفافة وإنسانيته وأستاذيته الكبيرة وجدته أمامى صورة وصوتاً كما كان دائماًقادماً أمامى من ذاك العصر عصر القماش المسحور المسكون بشخوصه المهيبة التى تحمل تفاصيل وجوهها الكثير والكثير من الدلالات والمعانى , عندما تجولت فى معرضه وبين لوحاته وجدته أخذنى إلى ذاك الزمان زمانه الخاص الذى شمل تلك المسافة الفاصلة الواصلة فى أن , ففى ذات العمل الواحد أجدنى من جديد أمام لوحات ضربت بجذورها فى أعماق التاريخ كأن القماش الفنان والمبدع الكبير قادم إلينا من العصور الأغريقية أو الرومانية وكأنه فارس قادم يمتطى زمام لوحته الإبداعية وبشيء من التريث والتدقيق فى اللوحة ذاتها أجده عاد بنا من الماضى البعيد ليقفز بنا إلى عوالم المستقبل المجهول .
تذكرت يوم ان زرته فى معرضه بمركز الدبلوماسيين بالزمالك ( آمنا الغولة 2008 ) الذى أطل من خلاله علينا بطفولته الكامنة فى نفسه المتوجسة المترقبة الغارقة فى تفاصيل سحر وجنون ومخاوف آمنا الغولة ..وكان فيه كعادته دائماً كثير التفاصيل .. دقيق الملاحظة ..متقن الأداء .
فى آمنا الغوله كثرت رؤى القماش للعوالم الأسطورية فقفز الطفل بداخله فأجبر المبدع على الخضوع لتلك التفاصيل الأسطورية .. كثرت العيون فى لوحات القماش وكنت أتسائل ..
هل هى عيون الناقد الكاشف المحلل لكل مساوىءتلك الأم الغولة ؟ أم أنها رمزية الرؤية فى اتجاهات شتى ؟ أم أن كثرة العيون للرغبة فى الخلاص ؟
عدت بذاكرتى مع جمعه لأسطورية المعنى مع مفرداته التى تعودناها منه فى { أبواقه الشاردة – والنار الخارجة من رءوس اللوحات – ومخلوقاته الغريبة } وحضرت أمامى مفرداته من الدبابيس والمسامير والأشكال الحديدية الساكنة مضموناً والمتحركة المتوهجة المنصهرة معناً }
عالم القماش الأسطوري
أتاني عالم القماش الأسطوري فى ندوته مكثفاً بينما الجميع يتابعون شاشة العرض العارضة للفيلم الوثائقى وجدتنى منفصلة عن الحضور وأتتني لوحاته العملاقة رأسية التكوين بكل ما بها من فوضى السوريالية المنظمة وتذكرت سعادته بهذا التعبير تحديداً يوم أن أخذ منى مقالتى عن أمنا الغوله (وهذه كانت عادته معى يأخذ نسخة من الدراسة أو الحوار الذى أجريه معه كى يحتفظ بها ) نعم كنت أرى فى لوحات القماش فوضى السوريالية المنظمة .. هى فكرة الجنون المقبولة .. هى كل المتناقضات فى إبداع هذا الفنان .. كنت أرى فى لوحاته التعبير الصادق عن مشاعر طفل وصلت إلى ذروة التحدى والجنون .. لوحاته فى هذا المعرض تحديداًكانت بمثابة النقد اللاذع لتلك الخبيثة الماكرة ( آمنا الغولة ) .
تذكرت يوم أن حاصرته بأسئلتى بعد أن تجولنا معاً بين لوحات المعرض وهو مشدوداً لردة فعلى الأولى تجاه اللوحات
قلت له من هى آمنا الغولة ؟
هل هى تلك المرأة المجهولة فى مكان ما فى حياتك ؟
هل هى تلك الأفكار الخبيثة فى المجتمع ؟
هل هى ارهاصات فكرية وعبثية المبدع السريالى أطلقها كى يشعر بشيء من التحرر ؟
هل هى هواجس وأحلام الطفولة الكامنة فى نفسك الثائرة ؟
ضحك من القلب وقال : أيتها المشاغبة الصغيرة .. الكل منا لديه آمنا الغولة بشكل أو بأخر .
تحدث كل من الدكتور رضا عبد السلام والناقد الكبير سمير غريب عن براعته فى الرسم واستخدامه الأبيض والأسود .
فعادت بى الذاكرة إلى الوراء وتذكرت كيف كان يأخذ عقلى بتناسق ألوانه وهارمونية تكويناته اللونية ولا سيما استخدامه للونيه المفضلين الأبيض والأسود لونى التضاد الدائم والثابت فى أعماله , وكأنه يؤكد لنا أنه دائماً وأبداً واقع بين هذين الاختيارين إما الصواب ويقابله اللون الأبيض وإما الخطأ ويقابله اللون الأسود وإما التداخل بين اللونين مما يعنى التداخل الفكرى أيضاً فى لوحاته وكأنه بهذين اللونين  الرائعين يفتح للمشاهد أفاقاً رحبة من التفكير كى يسبح بفكره بين خيارين لا ثالث لهما وأحياناً يسبح بين خيارين لا اختيار بينهما , وتتخلل اللوحات بعض من الألوان الخفيفة وكأن لسان حاله يقول لنا أنا المصور الجدارى – الرسام – الفنان – المتفلسف بالفرشاة والألوان .
عندما تحدث الناقد الكبير سمير غريب عن اجادته فى استخدام الزخرفة فى أعماله
تذكرت على الفور لوحة المرأة السمكة فى معرض آمنا الغولة التى تحمل وجهاً جميلاً ولكنها تحمل رأس سمكة واضحة المعالم بقشورها وذيلها وعينيها ونظرة عين المرأة هى ذاتها نظرة عين السمكة وتلك الأشياء الخارجة من رأسها تشبه المفاتيح المعدنية أما الخلفية لنار محترقة وهى الخلفية المفضلة دائماً فى لوحات القماش ولكن الجديد الذى رأيته فى معرض آمنا الغولة فى الخلفيات هى ( الشجر والقوارب المائية ) كما لم ينس القماش أبواقه النحاسية وألات النفخ وهى التيمة الأصيلة فى سابق أعماله .
وكانت تلك الأبواق تمثل لى سؤال دائم
هل هذه الألات هى انذاره الدائم للعالم ؟
هل الأبواق المعدنية هى صرخات عالمه الأسطوري ؟
ولم ولن أنسى أبداً أننى رأيت المرأة فى معرض أمنا الغولة بأشكال متعددة ومختلفة ولكنني عندما اقتربت من تفاصيل نسائه وجدتها أبشع إمرأة يمكن للمرء أن يقرأ تفاصيلها .
وكان رأيى الذى كتبته فى دراسة سابقة عن معرض آمنا الغولة فيما يخص جزئية المرأة ولم يعترض الفنان الكبير عليها وقتها أن الفنان قد مر بحالات نفسية مغايرة أدت به لأن يعبر عن المرأة بتلك الصور الصارخة فى معرضه ربما أرادت إمرأة ما أن تكبح جماح خياله المحلق فى سماء الفن فتحول الفنان بداخله إلى وحش أسطورى .. صور إياها فى تلك الصورالنابضة المتجددة المتلونة التى ينطبق عليها قول الشاعر العربى ( المعنى فى بطن الشاعر ) وأياً كان هذا المعنى الذى فى نفس الفنان المبدع دعوت لهذه المرأة التى أرادت أن تقيده بشكل أو بأخر فأصبحت هى ذاتها بقيدها وقبحها عملاً متفرداً فى ابداعاته الجمالية ..
أرادت أمنا الغولة أن تصطاده وتأسره فى عالمها المسحور .. فأنفلت من بين يديها ليخرج لنا هو وعالمها المسحور , ومن نسج خيال الجدات وألام وآنات وصرخات الأبواق والمعدات استطاع القماش أن يصبح صوت الحاضر وناقوس خطر لكل ما هو أت .
( ولد لكى يكون فناناً)
تحدث د رضا عبد السلام عن زمالته للدكتور القماش وكيف أنه كان شخصاً متسقاً مع ذاته وكان لديه حالة من التوحد  بينه وبين كل أدواره وأنه ولد لكى يكون فناناً
تذكرت على الفور يوم أن قابلته فى حديقة النقابة بدار الأوبرا المصرية كى يهدينى كتابه الجديد التصوير الجدارى والعمارة المعاصرة علاقة تبادلية الصادر عن دار المحروسة للطبع والنشر , فأيقنت صحة ما قيل فى الندوة من شهادات زملائه عن شخص  الدكتور القماش الفنان والإنسان فكل ما ورد على لسان السادة الأساتذة النقاد الأربعة أكد لى ما كنت أعتقده طوال رحلةمعرفتى الطويلة بالأستاذ والمعلم , كنت ولا زلت أرى فى القماش فنان متميز الإبداع يتنقل بين لون ابداعى وآخر كالفراشة الحرة , ينهل من روافد الثقافة المتعددة ليصب مخزونه الثقافى والتراثى فى عالمه السوريالى المتميز , فتارة أجده مصوراً مبهراً فى عوالمه الأسطورية التى تنم عن رؤى متعددة وعوالم نفسية مغايرة وتارة آخرى أجده ناقداً لإبداعات شعرية متحدثاً عن اللغة التشكيلية فى النصوص الأدبية بالإضافة لكونه أستاذاً محاضراً فى كلية الفنون الجميلة   جامعة المنيا .
ولا أنسى حديثه معى عن الجداريات فى أحد حواراتى الصحفية معه موضحاً علاقته القديمة بها كونها حالة من الرصد والتأريخ للأمم, والكتاب يتحدث عن علاقة التصوير الجدارى بفن العمارة ويوضح الوظيفة الإجتماعية للمبنى بما يسجله التصوير الجدارى من تأريخ دول وثورات وتاريخ انتصارات مثل الحضارة المكسيكية , وقد تناول فى كتابه كل عناصر التصوير الجدارى من تصوير  بالفسيفساء والزجاج المعشق والأير برش بخامات بالبلاستيكات ولوحات مستخدماً منها المعدن مثل الاستيل ستيل والنحاس , كما تناول الكتاب بالمقارنة والتحليل والوصف والشرح والتأكيد على الارتباط المادى والوظيفى والجغرافى للمجتمعات التى تم تصميم الجداريات    فيها وكان من خطة   الكتاب ماهية التصوير الجدارى وعلاقة التصوير الجدارى بالعمارة وهل هى حديثة أم قديمة .
القماش الإنسان
لم أستغرب مشاعر الحب الجياشة من الحضور واشادتهم بمبدع حقيقى رحل جسداً ولكن الجميع أكد أنه موجود بما تركه ورائه من سيرة طيبة وأعمال عظيمة لأن القماش الذى أعلمه جيداً عمل وأتقن فى ابداعه بل كان عاشقاً لكل ما يصنع ولا أنسى حواره معى وسعادته بتولية لمنصب وكيل كلية الفنون الجميلة  لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة لأنه كان يؤمن إيماناً كبيراً بأن كليات الفنون الجميلة لها خصوصية وتميز وتستطيع أن تترك أثاراً واضحة  على المجتمع فالكلية بها أقسام تخدم المجتمع مثل قسم الجرافيك وتعامله مع المجتمع من خلال الدعاية والاعلان والكتب والرسوم المتحركة وكثير مما يهم الثقافة الورقية والحركية وهى اتصال مباشر بين المتلقى والجمهور وفن الجرافيك , أيضاً كان يرى أن قسم العمارة يستطيع أن يكون له يد بيضاء على المشاركة   الفعالة فى المجتمع من خلال أساليب التخطيط الحديثة والرؤية المعمارية المستحدثة وربط المجتمع المعمارى  بالمجتمع الإنسانى فى ربط الاحتياجات الخاصة والمتبادلة كما يستطيع  قسم النحت أن يقوم  بعمل تنظيم الميادين بوضع تماثيل الميادين على كل المسطحات التى ترى اللجان المختصة أنها تحتاج إلى ذلك , وكان يرى أن قسم التصوير الزيتى والجدارى يستطيع أن يؤرخ للمدن وللفنانين المحليين
البقاء رغم الرحيل
فى نهاية الندوة تم عرض بعض المقترحات من أجل تخليد ذكرى الفنان الكبير بإقامة معرض كامل لمجمل أعماله واعداد كتاب شامل يضم مسيرة وإبداعات الفنان
انتهت الندوة التى كانت بمثابة حالة حب وتقدير وامتنان لمبدع مصري حقيقى شارك فيما يزيد عن 170 معرض قومي بالعديد من الأعمال الفنية فى مجالات التصوير والرسم والحفر والكولاج والجداريات وحصل على أكثر من 41 جائزة فى الرسم والتصوير والجرافيك ( عالمية ومحلية ) وتناول كثير من الأساتذة النقاد والكتاب والباحثين والصحفيين فى مصر والعالم العربى أعماله الفنية بالنقد والدراسة والشرح والوصف والتحليل ’ رحل المبدع والفنان فى هدوء كما عاش فى هدوء وسلام ولكنه سيبقى بيننا رغم الرحيل .
القاهرة 8-11-2016





2016

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق