انسجام
العلاقة بين المبدع والناقد ----- فى حالة حوار
بقلم
/ عزة أبو العز
إلى محبي الثقافة العربية بمفهومها الواسع والشامل --- أردت أن أقدم لكم هذه الدراسة الأدبية عن حالة أدبية شديدة الخصوصية وتجربة ثرية على المستوى الابداعى والأدبى والانسانى من خلال حوار مطول قدمه لنا الناقد الكبير السيد إبراهيم أحمد وبين الدكتور محمد حسن كامل رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب عبر صفحات الاتحاد أظنها حالة خاصة من التناول فى المجال النقدي والادبى تدل على مدى انسجام العلاقة بين المبدع والناقد ومدى الدور الكبير الذى يلعبه الناقد فى تقديم المبدع بعدة أوجه لمحبى وعشاق الابداع أينما كانوا .
فمن خلال حوار طويل وشامل يبحث الناقد فى
عقل وقلب المفكر والكاتب الكبير محمد حسن كامل
محاولا أن يكشف لنا سبر أغوار الرجل الذي قطن فى بلاد
الجن والملائكة ولكنه قطعاً لم ينفصل عن رحم ثقافته العربية العريقة بل لم ينفصل عن هموم وقضايا وطنه العربي ؛ والحقيقة أن كلاهما الكاتب
والناقد يمثلان حالة استثنائية قلما
وجدتها على مدار مشوارى الصحفي فى مجالسة
والاستماع إلى قامات كثيرة من أصحاب الفكر والأدب والفنون.
نظراً لتلك العلاقة الفكرية الرائعة التي جمعت بين
الرجلين والتي نتجت من عدة أشياء كشف عنها الناقد المحاور نفسه فى قرب السن بينهما
وعشق كل منهما للميراث والمعين الثقافي العربي الثرى بالاضافة للتوافق النفسي وهو
عادة ما ينتج بعد وجود حالة من العشق
المعرفي تغرى الناقد والباحث دائماً وأبداً للبحث فى ثنايا العمل فإن وجد ضالته عند المبدع تحولت العلاقة الفكرية
على الورق إلى علاقة روحية إنسانية على أرض الواقع ولاسيما إذا توافرت ظروف
التقارب الانسانى بين المبدع والناقد المتناول لابداعه ويقينى أن سر الإجادة
الفائقة فى هذا الحوار ( رحلتي فى بلاد
الجن والملائكة )ناتجة من وجود هذه العلاقة الفكرية الخاصة التي جعلت الناقد
المحاور يقع فى حب بل عشق إبداع الكاتب والمفكر فتحولت علاقة الأفكار إلى علاقة
إنسانية رائعة مابين المبدع الإنسان والناقد الفنان الذي تفنن فى أسئلته المتعددة
والمتجددة كي يستفز كوامن عقل وقلب محمد حسن كامل المفكر والإنسان ويخرج لنا
أفكاره وأماله وأحلامه بل وأشجانه .
رجل بحجم محمد حسن كامل على المستوى الفكرى والانسانى
والابداعى كان لابد وأن يتحرك إليه مغامر شجاع بالحوار – نعم مغامر فمن ذا الذي
يحاور أستاذ الأدب المقارن بين الفرنسية والعربية فى جامعة السوريون العريقة ؟ ,من
هذا المغامر الذي يراوغ دبلوماسي سابق وسفير السلام العالمى فى فيدرالية السلام
العالمى التابعة لمنظمة الأمم المتحدة ورئيس ومؤسس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب ؟
هذا على المستوى المهني أو الوظيفي أما على المستوى الابداعى فمن ذا الذي يحاور
الرجل الذي سطرت كلمة ( أول من ) قبل اسمه فى كثير من الإبداعات الفكرية والأدبية؟
من هذا الذي يحاور من ترجمت أعماله إلى عدة لغات --- من هذا المغامر الذي يحاور من
أبحر فى ثقافات الشرق والغرب من ذا الذي يحاور الرجل الذي وضعه جوجل العملاق رقم واحد على مؤشر البحث بلا منازع .
من يتقدم لهذه المغامرة الفكرية والوجدانية شجاع بدرجة امتياز وباحث بدرجة امتياز ومحب
بدرجة عاشق لإبداع وشخص محمد حسن كامل الكاتب والمفكر والإنسان لذلك أستوقفنى هذا الحوار الذي يشكل حالة استثنائية ثقافية فى
حد ذاته وأضم صوتي لصوت الناقد الكبير
السيد إبراهيم أحمد المحاور الشجاع .
أن شخص وفكر وإبداع محمد حسن كامل يحتاج إلى عشرات
الأقلام الواعية وعشرات العقول النابهة كي
تغوص فى فكر الرجل ومجمل أعماله لذلك أدعوكم أصحاب العقول والأقلام الحرة الباحثة
عن الجمال فى مواضع ( الفكر – القص – البحث – المقال ) أن تتناولوا أعمال الرجل
الذي ندر وجود مثله بكل هذا الكم الهائل والرائع من الإنتاج العقلي والابداعى ---
فشكرا لكل من المحاور والمتحاور معه بأن منحتمونا
وأهديتم إلينا هذا الكنز الفكرى والابداعى والانسانى الذي ظهر جليا فى هذا الحوار
الراقي الذي سيظل محفوراً فى جدار التاريخ
الانسانى بحروف من نور كي تتعلم الأجيال القادمة معنى ( فن الحوار )وحوار كبير صيغ
بهذه الروعة فى كل من السؤال والجواب أعتقد أنه يحتاج منى ومن غيري وقفات ووقفات
كي نعى ونتدبر ونستشعر معنى الحب – نعم – الحب حب الناقد للإبداع المتميز وحب المبدع لكل ما حوله من موجودات فظل باحثا
ومنقبا عن كل جديد فى النفس والعقل والقلب والقرآن بل كل جديد فى الكون وظل سابحاً
عاشقاً متصوفاً فى حب خالق الأرض والسموات .
فى جزئية من حوارهما الممتد أعتبرها من الجزئيات المهمة
والكاشفة لكل من شخص الرجلين معاً ---
يعترف المحاور السيد ابراهيم أحمد فى بداية فقرته من الحوار --- لماذا الدكتور محمد حسن كامل ؟
بمدى الصعوبة
التى يلاقيها الناقد الباحث والمفتش عن سبر أغوار شخصية المتحاور معه ولاسيما إذا
كان المتحاور معه قيمة فكرية وأدبية كبيرة مثل الدكتور محمد حسن كامل .
فالناقد يعرض لنا بحنكته النقدية المنحى الذى يتخذه بعض
النقاد بالتعرض لما هو معروف فقط من جوانب الشخصية المنوطه بالنقد والبحث على سبيل
الاستسهال وذلك ناتج إما من قلة المصادر عن الشخصية أو صعوبة مواكبتهم فى الاطلاع
على الأعمال الفكرية والإبداعية للكاتب .
وتأتى صعوبة التناول عن شخص وشخصية الدكتور محمد حسن
كامل نظراً لتنوع وتعدد روافد إبداعه بالاضافة لتركيبته الشخصية البروتوكولية
المشبعة بحكم عمله الدبلوماسي وما
اكتسبته من سمات الهدوء فى الطبع والكتمان
الشديد ومع اعتراف الناقد بهدوء طبع د / محمد حسن كامل إلا أنه يعود ليصفه بأنه
رجل لم يسكن الأبراج العاجية بل ظل على تواصل تام مع كل العقول المفكرة
والمبدعة نظراً لشغفه الشديد بالعلم
ورغبته الدائمة فى مد جسور التواصل .كما يكشف لنا الناقد جانباً مهماً فى شخصية الدكتور محمد حسن كامل وهو حرص الرجل الشديد
على عدم البوح بكل تفاصيل سيرته الذاتية , فهو لا ينشر للقارئ إلا ما يراه هو
مهماً له وللقارئ ويخفى جوانب من سيرته الذاتية .وهنا أوضح لنا الناقد انتقائية
الكاتب فى التعامل مع السرد الحياتي أو وقائع السيرة الذاتية للفرد مما يصعب مهمة الناقد فى البحث عن
سيرة المبدع وإبداعه .
وفى هذه الجزئية
أتفق مع الناقد الأريب السيد ابراهيم أحمد ( لأنه من أمتع الأشياء أن يطلع القارئ
على السيرة الذاتية للمبدع وأن تكون هذه السيرة بيد المبدع نفسه يبثها ذكرياته
وأفكاره وما يجول فى خاطره وفؤاده عن أحداث وأماكن وأشخاص مروا به فى رحلته فى
الحياة ) هنا تتلاشى المسافات وتتضح الرؤى وتشف النفس وتظهر ما هو خفي بين السطور بين القارئ والمبدع .
لذلك وعن تجربة شخصية , لكم استمتعت بقراءة كتب السير الذاتية لكثير من المبدعين ويغزى المتعة ويكثفها شعوري
أن من يصف لنا دواخل النفس ويكشف لنا أسرارها هو المبدع نفسه , الذى يقدم نفسه
طواعية للقارئ الذى ظل أياماً بل سنيناً قارئاً عاشقاً لما أنتجه الكاتب من إبداع
.
وكم من كتب فى
مجال السيرة الذاتية قد أضافت الكثير للقارئ والمبدع على حد سواء .
ثم ينتقل الناقد إلى نقطة أخرى مهمة تظهر لنا جانب من
شخصية الكاتب والمفكر وهى الدهاء السياسي أو سياسة الإفلات من أسئلة المناطق
المحظورة بداخله مما يغرينا أن الناقد سوف
يقدم على مالم يستطع غيره من النقاد عليه وهو كشف مناطق جديدة فى شخصية الرجل من
خلال الحوار , ويقدمه هو وإبداعه كما لو كان قطع من الجواهر النادرة محاطة بكل وسائل الحماية والأمان والقناص
الشاطر أقصد ( الناقد ) الشاطر هو من يستطيع أن يخترق أسوار وجدانه كى يبحث عن
المزيد من نوادر التحف والجواهر الثمينة .
ويالها من لحظة رهيبة وقاسية حينما يعترف الناقد أنه قد
أفلح فى بعض الأوقات وخاب فى أوقات أخرى أن يدلف إلى حياة الكاتب والمفكر الكبير
إلى درجة كبيرة اعتراف جعلنى أشفق على صاحبه ولاسيما أن الناقد الكبير السيد ابراهيم من ذلك الصنف من النقاد الذى لا يكل ولا يمل من
البحث عن المسكوت عنه .
وهنا يسكت الناقد عن الكلام المباح ليأتى دور المفكر الكبير فى الرد وبعد الثناء
المستحق للناقد الذى هو أهل له يفسر لنا الدكتور محمد حسن كامل رؤيته عن النقد واصفاً إياه
( بأن النقد هو من يقدم الهوية
الشخصية للمعلومة وكيفية التعامل معها سواء فى مختبرات الكيمياء أو فى بلاط
العلماء والشعراء )
موضحاً تصوره عن الناقد القوى الناقد كما ينبغى أن يكون
من { سعة اطلاع – وقوى العارضة – ثاقب الذهن – وبصيراً بأساليب البيان – فيلسوفاً شاعراً
– متبحراً فى علوم اللغة وأدابها .}
وبهذا الرد القوى يثبت لنا الدكتور محمد حسن كامل صدق ما
سبق وشرحه لنا المحاور السيد ابراهيم أحمد عن شخصية محاوره بأنه ليس بالرجل السهل
أو المبدع الهين ----- الخ
فالناقد الذى يتعرض لسيرته ومسيرته الفكرية والأدبية يجب
ألا يقل فى مستوى تحصيله على كل ما رد به الكاتب والمفكر عن وجهة نظره عن النقد .
ففى تعقيب الدكتور محمد حسن كامل بالرد يخيل إلى أن
الكاتب والمفكر الذى يمثل لنا الجانب الابداعى هنا يستحق وعن جدارة أن يتحول من
مقعد المبدع المتحاور معه إلى مقعد الناقد المحاور , فقد فند الكاتب الكبير عناصر
النقد وسمات الناقد الحق وأثبت أنه بالنقد الصحيح يسمو الأدب وأوضح أنه من الأسباب
التى سمت بالشعر فى العصر العباسى الأول
هو كثرة النقد وأوضح أنه لا مجاملة فى النقض .
ويستشهد بقول د / طه حسين عن النقد بأنه ( دراسة بحثية
للنص ) ويقرر لنا الدكتور محمد حسن كامل أن
النقد البحثى يعد أصعب أنواع النقد لأنه يبحث حتى فيما بين الكلم ويصيب
النص بنوع من فقدان الجمال وكان من
الذكاء بأن دلل لنا بمثال أننا – كيف نشرب جزيئان من الهيدروجين وجزء من الاكسجين –
نحن نشرب الماء --- لانه ماء حسب وصفه .
أما المثال الأخر
الذى أتى به : النقد بالنسبة ل رولان بارت وهو واحد من أشهر النقاد
الفرنسيين { النقد خطاب حول خطاب – أو هو لغة واصفة ثم أوضح أن النقد قائم على
علاقتين :
1-
علاقة الناقد
بلغة الكاتب
2-
علاقة الكاتب بالعالم
وأعتقد أن هذا
الوصف الدقيق من رولان بارت ينطبق على حالة كل من الرجلين المحاور السيد ابراهيم أحمد والمتحاور معه
الكاتب والمفكر محمد حسن كامل
فالأول يعى لغة
الثانى بإجادة كبيرة مكنته من شرح كثير من الأشياء الغامضة لدينا فى إبداع الكاتب
والمفكر .
والثاني علاقته
بالعالم واسعة ومتشعبة بل تخطت حدود العالم الذى
نحياه إلى عوالم أخرى أكثر رحابة وصفاء روحى فى فضاءات الكون الكثيرة بل
تخطت الكون المرئي إلى عالم الآخرة وارتباطه الوثيق بكتاب الله وما يحتويه من
حقائق علمية لذلك أعتقد أن مقولة رولان بارت بخصوص النقد تنطبق على الرجلين فى
حالتهما هذه .
وينتهي بنا
الدكتور محمد حسن كامل أن الخلاصة بعد شرح طويل هى أن النقد من وجهة نظره هو معرفة
الرديء من الكلم فى النص الأدبى ومحاولة تصحيحه بطريقة حيادية ومعرفة الجيد فى
الكلم ومحاولة تظهيره بطريقة موضوعية
.والدرس الذى يجب أن نخرج به هو جمال وانسجام العلاقة بين الناقد والنص
الأدبى فلو دققنا فى كلام الدكتور محمد حسن كامل لعلمنا أن الكاتب المبدع لابد له
من ناقد لايقل ابداعاً فى تناوله للنص كى يلفت انتباهنا على جميل النص الابداعى
ويكشف للمبدع أوجه القصور فى نصه .
ولو علم كل من المبدع والناقد مدى جمال وتكاملية العلاقة
بينهما لأصبحا حبيبين لا متنافرين , فقد تعودنا ألا نتقبل النقد من الأخر سواء
أكان هذا الاخر شخص موضوعى أو غير موضوعى فى نقده وحكمه .
لذلك أقول ماأروع الكبار عند اللقاء وما أجمل الأفكار
حين تتناقلها عقول متألقة فى ساحة الإبداع
وأعتقد أن الطرح الذي قدم لنا فى هذا الحوار الفريد إنما
يدل على ذكاء كل من الرجلين والخصوصية الثقافية
الهائلة لدى كل منهما مما أعطى الحوار خصوصية رائعة جعله وبحسب إثراء للمكتبة العربية والأوربية لأنه
حوار مشترك تتعدد فيه اللغات والثقافات والزوايا --- حوار غنى وثرى به محطات كثيرة
جدا من البحث عن الذات وعن سر الوجود وسر الكون وسر التوحيد كما جاء على لسان
الدكتور محمد حسن كامل نفسه .
لذا أدعوكم
أصدقائي محبى الثقافة العربية أن تتابعوا
هذا الحوار الشيق الذي يحتوى على الكثير من الأفكار والمشاعر معاً / حوار غنى وثرى
وقد لفت نظري مدى الجهد المبذول من قبل الناقد النابه السيد ابراهيم أحمد لأن
الحوار قام على عدد من المحاور الفكرية والعلمية والفنية والسياسية مما يعد
توثيقاً مهماً لحياة قامة فكرية كبيرة مثل الدكتور محمد حسن كامل ولاحتوائه أيضاً
على ملمح مهم من أهم ملامح المبدع ذاته وهو استعمال الناقد لعدد من الأسئلة التى
يمكن أن نطلق عليها أسئلة العصف الذهني للقارئ والمثيرة لمخزون المبدع مما يحول
دور الناقد لمبدع أخر يرتاد الصعب ويقدم المبدع لنفسه قبل أن يقدمه لقارئه وهنا
يكون النقد بمثابة ولادة جديدة للمبدع وإبداع
يتوازى مع إبداع المبدع وليس مجرد طرح ورؤى قديمة بأشكال لفظية جديدة ولا أخفى
سراً أنني تعجبت من طول مدة الحوار الذى طالعته على صفحات اتحاد الكتاب والمثقفين
العرب ولا يزال مستمراً للآن مما يؤهله لأن يفرد فى عدد من الكتب ورقياً وقد
تواصلت مع الناقد المبدع وعلمت أن هذا ما ينتويه الكاتب والمفكر محمد حسن كامل
لأنه أعتبر هذا الحوار الجامع الشامل بمثابة توثيق كامل لحياته وإبداعاته ورؤاه
لذلك يخطط لأن يخرج هذا الحوار فى عدة كتب تترجم إلى عدة لغات .
إنه حوار بطعم التجربة الثرية داخل (بلاد الجن
والملائكة)
عزة أبو العز .
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق