ما بين الذاتية والكونية ** كانت نصوصه
الشعرية
فى العشق على طريقتى
بقلم : عزة أبو العز
يستكمل الشاعر الأريب محمد هزاع رحلته الإيمانية
الروحانية الباعثة على التفكر والتدبر والمتضمنة لكثير من القضايا الفلسفية فى
ديوان العشق الحق , كما يستكمل لعبته معنا بأسلوب الشد والجذب إلى عالمه الخاص
والمتفرد لكي يضعنا أمام مجموعة من النصوص الشعرية ذات الطابع الحواري الفريد مع
بطلة من طراز خاص معشوقة فاقت فى روعتها كل المعشوقات وقد أطلقت عليها صاحبة الحال
المتجلية , أو الحقيقة المطلقة .
ولا أخفيكم سراً فقد احترت فى تسميتها لدرجة
أننى أصبحت أراها فى عدة أشكال تارة أراها الصلاة القائمة , وتارة أراها الروح فى
صفاء تجلياتها سابحة فى الفضاءات الواسعة وفى أحيان كثيرة أراها قبس من نور يشع بالحكمة والأوصاف الجمالية والكمالية معاً وأي كان مسمى معشوقته التى أصبح
لها اليد العليا فى معظم نصوصه التى هى
بلا تعريف وقد أستقر رأيي على ان اسميها (
صاحبة الحال المتجلية )
تميزت النصوص بداية من النص رقم 1 {ص 227
}حتى النص رقم 53 {ص 337 }بالسرعة الحوارية والجمل القصيرة البليغة والومضات
الفكرية والوجدانية كما تميزت فى أغلبها بالحوار القائم بينه وبين الأخرى تلك المتحدثة
البليغة التى تأخذ العقل أخذا بحسن منطقها وروعة بيانها فهي أبلغ وأرقى من كل
التوصيفات التى قد تطرأ على ذهن المتلقي لدرجة أننى ما عدت املك فى وصفها إلا مسمى
( حالة التجلي )فحالة التجلي هى { الجمال والكمال والجلال بكل أوصافه } هى النافية
لما سواها هى العالمة بخفايا النفس البشرية هى معشوقة القلوب الطوافة السابحة فى
ملكوت الرحمن ----- الخ
يخيل إلى أن الكاتب قد وقع فى حالة من العشق الأبدي
فى تلك الحالة المتجلية لدرجة أنها أصبحت تملك عليه كل وجدانه وكيانه وتأخذه
وتأخذنا فى رحلة من الكشف والاستكشاف لما هو مسكوت عنه .
ففى حواره معها يقول لها فى نص كفاحاً{ ص
229}( فغيبينى بك فيك دائماً )هنا أقف مندهشة أمام تلك الحالة من العشق الصوفى
الصريح الذى يطرح الشاعر نفسه فيه بكل ذاته وكينونته طواعية ويطلب من المحبوبة (
حالة التجلي )أن يغيب فيها وبها وفى البداية سألت نفسى هل حالة التجلي هذه هى
الصلاة الدائمة أم الجنة الموعودة , أم الروح السابحة فى ملكوت الله .
-
والنقطة الأخرى التى ظهرت لى فى هذه النصوص
هى خيارات الحوار : إما بالبوح أو بالنوح أو بالصمت ولقد ورد فى { ص 231 } عبارة (
التزام حرفي فى ديوان العشق )فلو سلمنا بواقعية ووجود تلك الحالة المتجلية وسطوتها
على الشاعر لعلمنا أن ما سطره لنا الشاعر من مكنونات روحه ووجدانه ما هو إلا نوع
من الالتزام الحرفي بقانون العشق الصارم ومن هنا تكمن صعوبة النصوص { فالبلوى بشرى
}و {كاالزبد والبحر لا فرق } فذاك وجه آخر من وجوه السر , ويمثل النص رقم 4 ( بكم
عمى يا مولاتى ) الحالة التى وصلنا إليها اليوم من وجود أناس على قلوبهم الأقفال
-
وفى ص 240 تظهر لنا قمة التجلي ودخول الحال
ولكنه استعاض بالضمير ( هى ) عن ضمير الحاضر الدائم فعلا الغائب شكلا ( هو ) والسؤال الذى يجب التوقف أمامه هل
استعماله للضمير هى نوع من الذكاء الفطري والعقلي لكي يوهمنا بأنه فى حالة عشق
حقيقية بينه وبينها تستلزم مخاطبتها على كونها هى
لا هو ؟وان كنا نخاطبه جلي وعلى فى الصلوات المفروضة والدعاء , وينتقل بنا
الشاعر بسرعة خاطفة إلى النص رقم 7 { ص
244 }( دمى أحمر )و به الإشارة إلى عدم رضاء الكل سواء من بشروا أو من انذروا وهو
هنا يصور لنا حالة بني الإنسان على وجه البسيطة فالكل غير راضى وغير مكتفى وهو
وحده يقف ضد العالم بكل قناعاته وإيمانه ومعتقداته ومستعد للتضحية على أى شكل وفى
أية صورة , وهنا خرج النص من الإطار الذاتي إلى الإطار الكوني , من إطار الإيمان
بالفكرة على المستوى الفردى إلى المستوى الكوني والاستعداد للتضحية بالنفس مقابل
تقبل العالم لما يعتقد الشاعر وإن وصل الحال بالتضحية بدمه الأحمر .
-
أما النص رقم 8 { ص 246}فهو يحتوى على رمزية الألف
والياء والحوار الرائع الذى دار بين الشاعر
وبين معشوقته صاحبة الحال فالشاعر هو المبشر دائماً بالفجر الأت رغم
الظلمات وبالأمل القادم رغم الخيبات لم يمل ولم ييأس ولم يتعب واقراره الفلسفى بأن
الموت واحد لا فرق بين الموت والقتل سوى الأسماء اشارة إلى أن النتيجة واحدة وهى
الموت فلما يخاف المرء من مواجهة مصيره المحتوم وهنا قمة الرمزية الدلالية فى
استخدام الألف الشماء وفيها اشارة إلى الأحادية والموقف الواحد فدلالة الألف تشير إلى الطريق
الواحد فالألف الشماء واحدة ومتفردة وصاعدة أما الياء فهي الدالة فى الأعم الأغلب
على كل ما هو ذاتي مما قد يحمل فى طياته نوع من الانقسام والتعدد .
-
أما النص رقم 9 { ص 249 } تحت عنوان (بضاعة
مزجاه )أراه من النصوص المهمة التى تصف لنا حالة الشاعر نفسه فى طرحه لأفكاره
وأشعاره أو لنصوصه فهو يشتكى لتلك
الحبيبة اللامرئية بلغتنا البشرية ولكنها عين الحقيقة باللغة الكونية أو فى
مصطلحات الصوفية فهو يشتكى لها إعراض الناس عن بضاعته التى أفنى فيها عمره ما بين
البحث والدرس والفحص والتفكر والتدبر ولكن الكل معرض ( لتأتى نبؤتها له ) فى { ص
250 } بقولها ( اصبر فيوماً ما يأتونك زحفاً ) يشترون حرفاً حرفاً وإنذارها القوم
الذين يقتلون بقية الأنبياء --- فلا يقرأون , تبثه الأمل والرجاء فما كان منه إلا
تجديد العهد والوعد
-
وفى هذا النص تحديداً أتساءل هل يشتكى هزاع
وهو الصحفي الذى صال وجال بين الحروف والمعاني من حصار كلماته وأفكاره بين عقول اعتادت على النمطي والرتيب ولم تستطع
بعد استقبال مثل تلك اللغة الذاتية
العارضة للقضايا الإنسانية والكونية فى أن , وهل حوار حالة التجلي معه توقع مستقبلي
يمنى به نفسه أن يوماً ما سيأتي من يفهم ويتدبر مثل هذا الإبداع
المنفرد فيشتريه حرفاً حرفاً
-
-
النص رقم 10 ( الشمس خادمتي ) حالة أخرى من
حالات السمو والارتقاء وحوار رائع بين الكاتب وبين معشوقته فهو الباحث الدائم
عنها فى كل الظواهر الكونية الطبيعية
ليكتشف ونحن معه أن الارتقاء والتماهى فى الشيء هو قمة العشق والسكر والذوبان
والبحث اللامتناهى عن تلك الحبيبة التى فاقت فى روعتها كل الظواهر الطبيعية فصعبت
من دور المحب وصعبت علينا ماهية هذه الحالة المتجلية أو النبضة الإيمانية الخالصة
التى يذوب فيها شاعرنا شكلاً ومعنى .
-
النص رقم 11 ( لا أروع من سكيناً )ففيه تكتمل
حالة العشق للدرجة التى تهون فيها النفس ويقبل المحب بكل ذاته وكيانه مضحياً من
أجل هذه اللذة اللامتناهية فى الوصل مع حبيبه , هذا الوصل الذى يفوق فى لذته كل
المتع والمحسوسات , هذا الوصل الذى كلما أخذ من نفس المحب أرتقى فى مرتبة الحب
والعشق كى يسمو لمرتبة لا يصلها إلا المصطفين من المخلوقات .
-
النص رقم 13 ( أنزف شعراً وأقطع نثراً )
-
هذا النص هو حوار صريح من حوارات البوح بين
الشاعر وحاله التجلي فهي مغرمة بما يقوله عنها
وابداعه مرتبط ارتباطاً شرطياً بتجليها عليه وفى إقرار منها بفضلها عليه تعرض عليه تجلياتها وبثه الحياة كى ينظم الشعر
فيها وهو يشعر بفضلها عليه وباستعداده التام أن ينزف شعراً ويقطع نثراً .
أنا الطريق ---- فى مفاجأة أخرى فى النص رقم 14 ص 260 يقدم لنا الشاعر محبوبته على أنها الطريق
وياله من طريق فمن منا يحيا ويتلمس خطواته على الطريق الصحيح ؟ من منا لا يحلم
بالترقى والصعود الدائم على الطريق ؟ هنا
نجد مساجله حوارية بين العاشق الشاعر ومعشوقته الطريق وكعادته نجد المتعه الفكرية
والحوارية والبلاغية فى أن وفى هذا النص تحديداً تصف المعشوقة حال الإنسان بكل
صفاته { ظلوم – جهول – عجول – غوى – ضعيف
- عديم القيمة – وأكثر شيء جدلا }
فالعشق عند محمد هزاع يتحول لحالة فلسفية
بليغة بين العاشق ومعشوقته العاشق فيها هو الحلقة الأضعف المتشوقة للصعود والوصل والمعشوقة
هى الحالة المتجلية صاحبة الإجابات
الحاضرة والاملاءات الواجبة النفاذ .
عزيزى القارىء فى ختام هذه الدراسة أريد أن أؤكد على عدة
أشياء :
أولها التزام واتساق الكاتب بجذوره الإيمانية فهو كما أورد فى مقدمة كتابه
القيم الذى نحن يصدده قال : { موقناً أن العالم ليس إلا كانسان كبير أنا بعض من
شعوره وفكره , من قلبه وعقله وإنسانيته التى هى مرآة تجلى الحق بالحق للحق .}
ففى هذه الكلمات الذكية والصادقة أرى أن نصوص
هزاع الحوارية نبتت من جذور عميقة
مؤمنة بكونية العالم وبقيمة الإنسان داخل
هذا العالم الرحب .
كما نجد النصوص فى مجملها تتسم بعدد من السمات الواضحة فهي ( سريعة الإيقاع مختصرة
العبارات – مجازية المعاني فى كثير من مواضعها مما أعطاها بعض من الغموض المغلف
بحكمة كبيرة ) أما بالنسبة للأداء الحواري فهو من أبلغ ما يمكن وان عجزنا عن تصنيف
تلك النصوص بشكل واضح نظراً لأن الشاعر قدم مناجاته الحوارية فى شكل يبعد عن الشكل
الكلاسيكي للشعر العامودى من حيث البناء النصى والعروضى وان لم تخل النصوص من روح
الشعر الملهمه المشبعه بالعبارات
والمترادفات والأضداد أيضاً.
والنتيجة التى أود الحديث عنها أننى على
المستوى الشخصى أبحرت فى مجموعة من النصوص عبر كتاب العشق على طريقتى قدمه لنا
الكاتب المبدع كسفينة المعرفه الملليئة بأصناف البشر والحكم والأمثال , أخذتنا فى
رحلة طويلة سواء بإرادتنا أو بدون كى نغوص معه ونبحر فى بحار المجهول والمطلق
والحق والعدل والخير والجمال .
ولازلت أكرر للقارئ الكريم وللمبدع نفسه أننا بحاجه إلى قراءة هذا العمل عدة مرات كى
نكشف سبر أغواره وأفكاره وإن كنا فى حاجة ماسة أيضاً كى يشرح لنا الكاتب كثير مما
قد أختلط علينا من أمور نظراً لطبيعة هذا العمل الابداعى الذى أراه شديد الخصوصية
والذاتية ولكن بكثير من التمعن والتفكر فى رسائله سواء الواضحة أو المشفرة منها
ايضاً أجدني أصنفها مجموعة من النصوص الكونية
وليس عندي شك فى ذلك أو غرابة فمحمد هزاع الكاتب المفكر لا يختلف كثيراً عن
محمد هزاع الإنسان المسلم الذى يتخذ من
الدين الاسلامى منهاج حياة وهو يرى الدين المنزل قمة الحب والرحمة بعكس الدين
المبدل الذى يحمل بين طياته كثير من العنف والقتل والدمار لذلك أتت نصوص هزاع الشعرية أو الحوارية مزيجاً
رائعاً جمع بين الذاتية والكونية معاً .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق