بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، نوفمبر 26، 2017

ذكريات برائحة الموت بقلم // عزة أبو العز




ذكريات برائحة الموت
بقلم : عزة أبو العز
عندما أشاهد صور شهداء الوطن سواء من رجال الجيش أو الشرطة البواسل أومن المدنيين العزل الأبرياء بعد أية عملية إرهابية خسيسة تتم بأيدى تجار الدم والدين  تستدعى ذاكرتي على الفور مناظر ورائحة الموت جراء الحوادث الإرهابية  فى صعيد مصر فى التسعينيات .
نعم للموت رائحة بيد الغدر تزكم الأنوف وتخلع القلوب من مكانها وتهز أصحاب الضمائر الحية على اختلاف وتعدد مشاربهم ورؤاهم الفكرية والثقافية .
بدأت رحلة الموت من مقر الحديقة الثقافية بالسيدة زينب فى صباح الأربعاء الموافق 12-3-1997م كصحفية مصرية على يقين تام أنه من واجبي أن أكون ضمن أعضاء القافلة  الثقافية أنذاك كى أذهب إلى مكان الحدث الذى أهتزت له مشاعر كل مصرى لأن الاعتداء الإرهابي وقع داخل إحدى دور العبادة وهى كنيسة مارى جرجس بأبي  قرقاص بمحافظة المنيا فى 12فبراير عام 1997م .
كان هدف القافلة الثقافية هو الذهاب إلى محافظة المنيا  من أجل أن ينعم طفل الصعيد البعيد عن خدمات العاصمة الثقافية بقدر من حقه فى مشاهدة كافة وسائل  التثقيف من { معرض للكتاب وفن تشكيلى و مسرح وسينما واطلاع على طرق تشغيل الكمبيوتر والتخفيف عن الصغار من هول حادثة إرهابية كانت مستغربة ومستهجنة فى وقتها }ولم تكن هذه هى المرة الأولى التى تذهب فيها القافلة إلى صعيد مصر بل سبقتها مرات للأفراد أنفسهم وبالرغم من انضمامي إليهم كفرد من أفراد القافلة شكلاً وتمويهاً إلا أن هدفي من الذهاب كان من أجل عمل تحقيق صحفي ومقابلة أسر الضحايا وتم لى ما أردت ونشر التحقيق فى مجلة حواء المصرية العدد 2115 فى 5 ابريل 1997م وكان إنفراداً صحفياً أفرد له 4 صفحات من صفحات العدد خاطرت فيه بحياتي من أجل البحث عن الحق والحقيقة والسؤال الذى كان يشغل عقلى فى ذاك الوقت .. كيف يقتل من يعبد الله فى بيت الله .. وبأي ذنب ؟ ولم أكن أعلم أن الأعوام ستمر لنصل إلى العام 2017 فى يوم من أجل أيام الله عند المسلمين وهو يوم الجمعة 24نوفمبر كى يلح السؤال نفسه على عقلى .. كيف يقتل من يعبد الله فى بيت الله بدون ذنب ؟ ومثلما كانت رحلة الموت هذه هى الأولى التى سافرت فيها إلى المنيا وقراها كانت أيضاً هى المرة الأولى بالنسبة لى التى أقترب فيها من الموت وشممت رائحته وتألمت نفسى لحال أسر الضحايا  فطقوس الموت فى صعيد مصر مهيبة والحزن لدى ناسه معتق كما هى سنوات حضارتهم العريقة كنت أعجز عن الكلام فى حضرة صمت الأمهات المكلومات وصيحات النائحات , لم أكن أعلم أن تلك الرحلة العجيبة سوف تلازمنى ذكرياتها الحزينة الكئيبة ما بقى من عمرى , لم أكن أعلم أن تلك المشاعر الحزينة سوف تتكرر و تعانى منها أمهات وأسر كثيرة فى وطنى , وكما يقال كل تجربة تأخذ منا وتعطينا أعترف أننى تعلمت الكثير من هذه الرحلة الأليمة تعلمت أن مصيبة الموت  كبيرة و جليلة وبالأخص لدى البسطاء من أبناء  هذا الشعب الطيب من يمثلون ملح الأرض ويعيشون على هامش الحياة وليس تحت أضوائها , تعلمت ورأيت ولمست بنفسي رؤيا العين أنه فقط على أرض مصر الطيبة وفى جنوبها حيث الأصالة والتاريخ وعظمة إرث الأجداد يوجد نوع من البشر  متفرد فى الصفات والخصائص ملتحم وقت الشدة والمصائب وجدت المواطن { مصرى } بامتياز فلم ولن أنسى ما حييت تلك الوجوه المصرية سواء مسلمة أو مسيحية التى خيم الحزن على ملامحهم وبيوتهم فبدوا لى جميعاً كأنهم شخص واحد مهموم مكسور مكلوم ولكن عقيدته الراسخة أنه مصرى وسلاح الفتنة الطائفية لمن أرادوها لم ولن يكون ذا مفعول فعجبت من صلابة إراداتهم رغم الدموع الغزيرة فى العيون .
·        لم ولن أنسى لقائي بالأب مكاريوس يوسف المسؤؤل عن كنيسة مارى جرجس الذى قال لى : نحن فى رباط دائم وسوف يظل حب مصر جامعاً لوحدتنا ووطنيتنا , لم ولن أنسى منظر القاعة الكبرى وبها كثير من أثار الدماء وطلقات الرصاص ومع ذلك وجدت حركة دائمة من المصلين مما دفعني لسؤاله عن رد فعل الناس تجاه  الذهاب لحضور الاجتماعات داخل الكنيسة بعد الحادث  .
·        فرد : لا يوجد  شيء فى الكون يجعلنا نخاف كما ان كلمة { لا تخف } ذكرت فى الكتاب المقدس ( 366) مرة ولدينا آية صريحة تقول { لا تخافوا   من الذين يقتلون الجسد } .
·        لم ولن أنسى كلمات السيدة المصرية البسيطة أم صموئيل وكانت سيدة مسنة تفترش الأرض ملفوفة بالسواد وبجوارها بعض السيدات يرددن عبارات الرثاء فجلست بجوارها وبالكاد أسمع صوتها وبالرغم من بساطتها وحزنها العميق إلا أنها كانت سيدة حكيمة نظرت لى نظرة كلها تعجب واستغاثة ملهوف قائلة : ابنى لا يعرف سوى الزرع والحصاد كان يرعى بذرة الخير فى أرضه وأثناء هروب الجناة أطلقوا عليه النار فمات ابنى كان يزرع ويحصد ويأكل من عرق جبينه  أما هؤلاء القتلة فكيف يأكلون وأين يعيشون وبأي دين يدينون ؟
·        لملمت أوراقي وشتات نفسى بعد أن شاهدت وسمعت وتعايشت على مدى عدة أيام من 12 إلى 16 – 3 - 1997م  مع ضحايا لحادث إرهابي بغيض فى صعيد مصر  وكانت المرة الأولى التى أشاهد فيها البشر  والحجر والشجر  فى حالة من الحداد معاً .
·         

وها هى الأعوام تمر ويطل علينا الإرهاب اللعين ما بين فترة وأخرى كى يقتل عباد الله فى بيت الله بكل خسة وندالة وبدون حرمة لبيوت العبادة .. وما شهدته محافظة شمال سيناء فى بئر العبد من جريمة نكراء فى مسجد الروضة يؤكد أن الإرهابي لا دين ولا وطن له  وكما قالت السيدة المصرية البسيطة لى عقب أحداث إرهاب المنيا فى عام 1997 م  ابنى يزرع ويحصد ويأكل من زرع يده أما الجناة من أين يأكلون وأين يعيشون وبأي دين يدينون ؟
أظن سيدتى الحكيمة  المكلمومة وجدت رداً على سؤالك ومعضلتك بعد فقدك لفلذة كبدك  بعد كل هذه السنوات الطويلة .. هم يأكلون  من يد من يدفع أكثر .. ويعيشون كخفافيش الظلام لا يظهرون إلا لتنفيذ جرائمهم النكراء .. ولا دين لهم فقط هم أداة ومعول هدم فى يد أعداء مصر ونسي الجبناء أن مصر صامدة وستظل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق