هَـذا الكتاب
النّقْدُ
الحقيقي هو لوْنٌ فرِيد من ألوان الإبداع، والناقِد الحقيقيّ صاحب رسالةٍ نبيلة،
يراها البعضُ شبيهةً برسالةِ النحلة التي تمتصّ رحيقَ النصوص الإبداعية لتُخْرِجَها
شَهْدًا مُصَفّى لقارئيتُوق إلى ما فى شهد الإبداع من رِيٍّ روحانيّ فريد، ويراها
آخرون شبيهةً بالدليل الذي يأخذ بيَدِ القارئ ليكشفَ له عن الدروب الخفيّة فى
صحراء النصوص الإبداعية، ويراها فريقٌ ثالث شبيهةً بحامِل المصباح الذي يأخذُ على
عاتقِه مهمّة إضاءة النصوص الأدبية أمام قارئها، ليساعد القارئ على أن يكتشفَ هو
بذاته مواطن الإبداع فيما يعرض له من النصوص.
وفى
هذا الكتاب (عنْدَمَا يَعْزِفُ الْقَلَمُ) نحن أمام إبداعٍ نقدي مميز، لم يقف عند
حدود النصوص الأدبية، وإنما تجاوزها إلى الأعمال الفنية التشكيليّة، والأعمال ذات
الطرح السياسي، فضلاً عن نصوص يمكن أن ندرجَها ونحن مطمئنون ضمن سياق التنمية
البشرية، وإن اتّسَمت بالكثير من سمات النثر الفنى الرفيع.
وأنت
تستطيع ببساطة أن تكتشف أن للناقدة عزَّة أبو العِزّ منهجًا ذا ملامح محددة، تطبقه
على الأعمال التي تتعرض لها، فهى أولًا تبحث عن المضمون الفكري ا لذي يطرحه العمل،
ثم تستقصي ملامح السّمات الفنية للمُبدِع، بعدها تفتش عن الثنائيات الخفيّة التي تسكن
العمل الفني أو الأدبي أو السياسي، ثم تنقب عن آيات الخصوصية التي يتمتع بها
المبدع، وهى تبسط ذلك بلغةٍ رشيقةٍ وفكر متفتّح.
ولأن
الناقد الجيد هو فى الأساس قارئ جيد، فإنك تشعر بأن الناقدة عزّة أبُو العِزّ
أجادت قراءة الأعمال التي تتصدى لها، واستوعبتها استيعابًا كبيرًا، ثم جاءتك
بخلاصة قراءتها المتأمّلة الواعية، سواء أكانت القراءة بمعناها المألوف فيما يتعلق
بالأعمال المكتوبة، أم كانت قراءة تشكيلية بالنسبة للأعمال الفنية، وهى بذلك تقدم
للمتلقي إضاءات قيمة تعينه على الدخول إلى هذه الأعمال دخولًا مستنيرًا.
صحيح
أن الناقدة كثيرًا ما تقدم رؤاها وآراءها باعتبارها أحكامًا مطلقة، بما قد يجعل
البعض يتصور أنها تفرض وصاية من نوع ما على المتلقي، إلا أنها فى الحقيقة تفعل ذلك
بطريقة تستفز فى القارئ عقله ومشاعره، لكى يصل بذاته هو إلى رؤيته وفهمه ومدخله
الخاص للأعمال، وهى رُؤًى ومفاهيم ومداخل قد تختلف عما تطرحه الناقدة الأستاذة عزة
أبو العز، لكن يبقى لها فضيلة تحريض القارئ على أن يقرأ، وأن يتأمل، وأن يصوغ
رؤيته، ويتخذ موقفه.
إننا
باختصار أمام مجموعة من الرُّؤَى النقديّة المتميزة التي تُسهِم فى إثراء الحركة
الثقافية، سواء من حيث إنها تمارس لونًا من الاختيار للأعمال التي تستحقّ أن تُضِيئَها،
أو إنها تقوم بقراءتها قراءة عميقة واعية، أو إنها تستفز فى قارئها قدرته على
المناقشة والحوار، وما أحوجنا فى هذه المرحلة إلى أعمال نقدية متعددة متميزة على
هذا النحو، من أجل أن نسد فراغًا نقديًّا تشكو منه الساحة الثقافية بصورة بيِّنَة
منذ فترة ليست بالقصيرة.
الشاعر
والإعلامي
السَّيِّد حسَن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق