وسط صخب السياسة واحوالنا
المعيشية شديدة الصعوبة وجدت نفسي ابحث عن زاد عقلي مختلف يريح وجداني ولو لبعض
الوقت فامتدت اناملى داخل مكتبتي على كتاب ( ما وراء الفن ) للدكتور احمد حمدي
محمود وهو كتاب جيد افادنى كثيرا لما احتوته صفحاته من أبواب شملت أهم قضايا الفن
والفنون في وحدتها وتفردها ونظرات مختلفة إلى
معنى الفن – فأردت أن أشرككم معي في مسافتي اليوم أمام موضوع هام طرحه المؤلف في
كتابه تحت عنوان ( الفن والمجتمع والإنسان ) وسأقف أمام جزئية
خاصة بموضوع الخلاف بين المفكرين والمصلحين الاجتماعيين حول دور الفن فقد ذكر
المؤلف انه قد نسب إلى الفن الكثير من أوصاف التحلل الخلقي ولم يعترف بدوره البناء
إلا في مناسبات قليلة خاصة بعد أن قام برعاية الفن حكام وملوك عرفوا كيف يتذوقون
الفن وأدركوا قيمته الكبرى في تكوين السلوك الانسانى ودوره في تمهيد الطريق أمام
الكشوف العلمية وكان سلوك بعض الفنانين سببا في كثير من الحملات التي تعرض لها
الفن فقد اشتهر بعضهم بما نسميه – البوهيميه –أو عدم التزام القيم الأخلاقية كما
تحدث الكاتب عن أهم الاتهامات التي وجهت إلى الفن والفنانين قائلا: إن ابلغ من
هاجم الفن هو أفلاطون في جمهوريته الفاضلة فقد أقصاهم عن مدينته لأنهم بدلا من أن
يكرسوا جهودهم لخدمة العقل والمعقولان أضاعوا وقتهم ووقت من يتعلقون بإبداعاتهم
الفنية .
وسبب أخر دفع
المفكرين إلى الانتقاص من دور الفن هو اعتماده على الخيال وامتلاءه بالأكاذيب على
حد قول أفلاطون .
وتأكيدا على الدور
الفاعل للفن أكد الكاتب في حديثه انه مهما قيل من نقد للفن فلا ينكر احد دوره فى
تعزيز الرابطة الإنسانية شارحا اعتراف الكاتب الروسي الكبير ليو تولوستوى رغم ما
عرف عنه من تزمت دفعه إلى إنكار أعظم منجزات الفن التي رآها خالية من كل غاية أخلاقية
كريمة ويرى تولوستوى أن قيمة الفن الحقيقي الجيد على الفن الزائف تتمثل فى قدرة
هذا الفن على عدوى الآخرين وكلما زادت هذه
العدوى دل ذلك على ارتفاع مستوى الفن وفى رأيه كلما اتصف الفن ببساطته ازدادت
قيمته ومن هنا لم يعترف تولوستوى بدور
النقاد بل اعتبرهم أناس محرومون من الاستعداد لفتوى الفن الارستقراطى كما عاب على
الفن الارستقراطى الذى لا يتذوقه العامة وتعرض المؤلف فى هذه الجزئية لنوعين
مختلفين من مبدعى الفن امثال ندماء الملوك والامراء الذين قالوا الكثير دون وعى
بما يقولون والصنف الأخر الذى ارتفع بقيمة الفن وأعلى من شان أصحابه امثال المتنبي
الشاعر العربي الكبير وغيره من عظماء
المبدعين وفى تاريخ الفن العالمي يوجد مايكل أنجلو الذى كان لا ينفذ إلا ما يشعر
بصدقه لأنه يمقت الرياء الفني وبيتهوفن الذى رفع من قدر الفنان وغيرهم الكثير .
لذا اعتقد عزيزي
القارئ للفن ( واقصد بالفن هنا جميع أشكال الفنون التشكيلية ) دورا مهما فى حياة الإنسان
وتغيير مسارات الشعوب فما أحوجنا هذه الأيام إلى أناس متميزون مبدعون على كافة الأصعدة يمتلكون القدرة على
الخيال كي يحلقوا بنا فى سماوات الفكر وقد تكون الكلمة كالبذرة الطيبة اذا زرعت فى ارض خصبة أعطتنا أفضل
ثمار المعرفة ما أحوجنا للتشكيلي الواعي الذى يعيد أمجاد حضارته التي شهد لها
التاريخ ما أحوجنا لممثل يدرك أن ما يؤديه ليس لهوا بل رسالة تؤثر فى شباب وأجيال
صاعدة لذا عليه أن يراعى ما يقدمه من رسالة فنية وأتصور أننا فى احتياج إلى أصحاب الخيال فما من فكرة علمية إلا وسبقها خيال فنان فهذه الأمة لن تصعد إلا بالعلم
والتخطيط السليم لذا أتمنى أن يوجد بيننا الطبيب والمهندس والقانوني من أصحاب
الخيال والقدرة على حل المشكلات بطرق مبتكرة وفعالة حتى يصبح لدينا فى المجتمع ذلك
التضافر والانسجام الفكري والاخلاقى كي تعم مجتمعاتنا أجواء الطمأنينة والسلام .
بقلم: عزة أبو العز
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق