عائدة من
الموت
ظلت طوال
الطريق إلى بلدتها تمنى نفسها أنها ستراه من جديد سيقابلها بوجهه البشوش وسيضمها إلى
صدره فى حنو بالغ --- تقول لنفسها سيتصل بها المرة تلو الأخرى كي يسأل عنها كعادته
–
أين هي ألان
؟
-
وستبادره بالرد : لا تقلق على حبيبي --- أنا الآن فى موقف عبود – ثم
المؤسسة – ثم الطريق الزراعي --- ألان داخلة على مدينة المنصورة --- ساعة حبيبي وسأكون
بالبيت .
-
لا يصبر بل يرن الموبايل أين أنت ألان ؟حبيبي – خلاص أنا على باب البيت ؟
-
يقابلها بابتسامته الرائعة ويسألها عن كل شيء – أحوالها – عملها – أصدقائها
------- وينادى على من بالبيت احضروا الطعام – ثم يسارع بجملته الشهيرة : تعالى بجواري
– احكيلى أحوالك – عاملة إيه وووووووووو
-
وترى فى عينيه الجميلتين نظرة حزن وأسى عليها لبعدها الدائم عنه --- ولكنه
يسارع بإخفاء تلك النظرة ويبدلها بحديثه الممتع عن رغبته فى أن يراها من أنجح
الناس وأشهر الكاتبات اللاتي يمتهن مهنة الكتابة يود أن يراها مؤثرة فى الجميع
متغلبة على كل صعوبات الماضي التي واجهتها بإرادة لا تلين ---
-
ويقول لها أعلم أن طموحك كبير وإرادتك قوية وعلى الرغم من كثرة أحزانك إلا
أن قدرتك على زرع الأمل بداخلك وبث روح التفاؤل فيمن حولك أقوى بكثير من كل ظروفك
الصعبة حبيبتي ----
-
تقع كلماته على مسامعها لتشفى ما
بها من ألام وكان هذه الكلمات هي الزاد الحقيقي الذى تأتيه لكي يبثها إياه كي
تستطيع أن تواصل رحلة الحياة وحدها دون شريك
بدأت
رحلتها المعتادة من موقف عبود فى القاهرة
حتى وصلت إلى بلدتها ولكن لم يرن هاتفها الجوال بالطريقة المعتادة –
قالت :
لايهم فهو مريض لا يقدر على الإتصال بي
ولكنه سيكون بانتظاري فى البيت
وتصل البيت
وتدرك الحقيقة مرة أخرى لم يكن بانتظارها تجولت بالبيت الكبير تفتش عنه فى صمت
وحيرة وتوجس – فتشت عنه فى كل شيء رأته فى كل المواضع بالبيت دخلت كل الحجرات
لعلها تجد ما يشعرها انه ما زال موجوداً ولم يرحل أمسكت بمصحفه الكبير الذى اعتاد
القراءة فيه -- تلمست مسبحته التي كان
يسبح الله عليها فى أوقات طويلة تنظر على جدران البيت لتشاهد مناظر عديدة لعبد الناصر الزعيم الذى كان يعشقه كثيراً –
تصمت لتتذكر حديثه عن الثورة وهموم الوطن
وناسه --- أرادت أن تتغلب على فكرة الموت بل قررت أن تواجها بأن تدخل حجرة
نومه فوجدت كل شيء بها مرتباً كما لو كان
موجوداً ( أدواته الكثيرة – رو شتات الأطباء – فحوصات الأشعة – نظارته الطبية –
تليفونه المحمول – ساعة يده الأنيقة التي لم يكن يخلعها من يده – مفكرته الشخصية –
حافظة نقوده الجلدية الفاخرة التي أهدتها له فى إحدى المرات وظل معتزاً بها – عصاه التي
كان يتوكأ عليها فى أخريات أيامه – ملابسه البيضاء التي كان يبدو فيها كملاك يسير
على الأرض - عباءته الصوف السمراء
) --- جلست على حرف سريره على استحياء فى
صمت ورهبة شديدة تستمع لنبرات صوته الخفيض وهو ينادى عليها --- تعالى معزوز تى --كيف حالك ؟أريد أن أطمئن عليك ؟
كادت تنطق
بصوت مرتفع أنا كويسه أبى الحبيب ولكن
خيم الصمت على الحجرة ولجم الحزن لسانها وفاضت الدموع من عينيها فالمنادى ليس موجوداً – والحجرة خاوية – خرجت
من حجرة نومه مكسورة القلب باكية مرددة وهى شاردة الذهن – آه من قسوة تلك
ألاماكن التي نرتادها ولا نجد من تعودنا وجودهم فيها وعادت مرة أخرى من بلدتها إلى
القاهرة بعد أن حضرت ذكرى الأربعين لحبيبها الذى علمها كل جميل فى الحياة وهى
على يقين دامغ أنها عائدة من الموت .
بقلم : عزة أبو العز
القاهرة 5-1-2013
هذا هو الحال معزوزتى دوام الحال من الحال فبل فرح يدوم و لا سرور و نفر من قضاء الله الى قضاء الله
ردحذف