ماما عزة .. وحكاياتها الحقيقية
حين
أعلنوا عن فوز الدكتور أحمد زويل بجائزة نوبل انبرت الأقلام والحناجر في الحديث عن
الرجل بشكل أسطوري صعب اللحاق به، وخفت أشد الخوف وقتها من غرس هذا المحال الشديد
داخل نفوس الأطفال فكتبت عن زويل مشيدًا وأنه كان طفل مصري عادي، طيب شاطر وهادي،
بيذاكر كل دروسه، ويحوش من فلوسه، وينام بدري بالليل، من خلال أغنية نشرتها مجلة
للأطفال، ولكن لا أحد استقبل هذا الطرح أو رحب به أو تبناه.
مرت السنوات حتى أتتنا الصحفية القديرة عزة أبو
العز لتتبنى ــ بدون اتفاق أو اقتباس ــ منهجًا يحقق تلك المعادلة الصعبة في دنيا
حواديت الأطفال، بعيدًا عن دفاتر جدتي والحكايات المغرقة في التراث، وعن تلك
الحكايات المثالية التي تشكل أمام الطفل تحديًا يشبه العجز عن الوصول إلى مثاليات
ومواهب بطل الحكاية، أو استيراد حكايات من بلاد بعيدة يرى الطفل أنها لا تخصه
فتشكل في داخله قطيعة معرفية من التواصل بها.
عزة أبو العز بحسها الوطني الذي أخلصت له منذ
كانت صحفية وهيَ تعايش الأقاليم المصرية التي زارتها، والتحقيقات الصحفية التي
كتبتها ونالت عنها الجوائز، ارتأت أن يكون دورها خارج ذلك الإطار من المشاحنات
الثورية والفرقعات الإعلامية، وظهور الفقاقيع، وشهرة البهلوانات، ولأن لها قدم
راسخة في دنيا الرياضة واتصالها المباشر بها من خلال عملها، شكلت حكايتها الواقعية
بأسلوب غير مسبوق ــ على قدر علمي ــ في عالم حكايات الطفل، امتزجت فيه القيمة
بالأمل، والنجاح بالعمل، والمستحيل بالممكن، وبالواقع لا بالرمز أو المثال.
لقد صاغت عزة أبو العز حكاياتها عن أطفال
أبطال يمشون ويحيون في واقعنا المصري، حققوا البطولات وحصدوا الجوائز، وقد تحققت
هيَ من ذلك فليس في الأمر محاباة أو مجاملة لأحد، وليس فيه انتقائية أو انحياز،
فمتى كان الطفل بطلاً كان له حق الظهور في حكايتها سواءٌ كان مسلمًا أو مسيحيًا،
مدنيًا أو قرويًا، وهنا يكمن الجديد أنها تحكي عن طفل يعرفه أبناء الحي الذي ولد
فيه، وأبناء عائلته الصغرى والكبرى، وأبناء محافظته، ومن يزاملونه في الفصل
والمدرسة، وربطت هذا كله بـ "حلم البطولة" و "أشطر الشطار"
ولا تحكي عنه في غيابه بل في حضوره في البرامج التي شاركت فيها في إذاعتىّ صوت
العرب والشباب والرياضة وقناة القاهرة.
ولا تتكلم عزة أبو العز عن الطفل وحده بل
تتكلم عن البيئة التي عاش فيها ومن رعاه، ومن كان قدوته، وعن مدربه، وعن اللعبة
وتاريخها، وعن درجاته وتقديره داخل الفصل وعلى مستوى المحافظة والجمهورية،
والأطفال يتابعون بالمشاهدة والاستماع وأمامهم الطفل أو الطفلة، وقد يقول قائل:
فليس في هذا جديدًا، فأحيانًا ما تستضيف الإذاعة الأطفال الأبطال؟
الجديد أن عزة أبو العز تقدم الأطفال من خلال
حكايات مشوقة ترتبط بذهنية الطفل وذاكرته بأسلوب شيق يميل إلى الشعر أو النثر
المسجوع، بصوتٍ هاديء حنون غير مصطنع يلمس فيه الطفل والمستمع العادي الصدق
والحماسة والحب لما تصنع، وهذه الحواديت والحكايات تُقدَم بشكل منهجي ومتواصل، أما
"أحيانًا" فهذا لا تعرفه "ماما عزة" وأما البرامج الباردة
الباهتة المصطنعة الوقتية التي تزول من ذاكرة وذهنية الطفل بمجرد إذاعتها فهذا
الذي لا تعرفه حكاياتها.
إن القيم التي تبثها الأستاذة عزة أبو العز
داخل حواديتها أو حكاياتها قيم مدروسة محبوكة بعناية، تدل أن وراءها ذات مثقفة،
وعقلٍ واعٍ بما يدور حوله؛ فليست خبطٍ من عشواء، أو استعراض لمعرفتها، قيم تربط
الطفل بحضارته المصرية الفرعونية لا تفصله عنها، وتربطه كذلك بدينه، وبعصره من
خلال العالم الذي يعيش فيه، قد لا تنهل من التراث ولكنها وهي تميل إلى المعاصرة
تبث قيمة الجماعية وروح الفريق داخل حواديتها وهي بذلك تعالج مرض اجتماعي متجذر في
سبيل النهوض بدولتنا، وهي قيمة تراثية معاصرة معًا.
أن الجهد الذي تبذله المقاتلة عزة أبو العز من
أجل صياغة حكايتها رغم وقتها الضيق وما يتطلبه ذلك من متابعة ومجهود للبحث عن
نماذج حكاياتها، والاتصال بهم وإحضارهم إلى القاهرة، والالتقاء بهم على مدار
اليوم، وأحيانًا ما تقدم برنامجين في يومٍ واحد، والتثبت مما تكتبه تاريخيًا
ودينيًا، وتلك الحفلة التي كرمت فيها أبطالها الأطفال وشهدها جمع لفيف من رجال
الصحافة والإعلام وبرامج الأطفال ونقلها التليفزيون المصري.
كل هذا يدفعنا إلى أن نحي تلك السيدة التي أخلصت
لفكرة سهرت عليها منذ تأسيسها صالونًا يرعى الرياضة والثقافة على المستويين المصري
والعربي، وهي لاتمل من تقديم الجديد في عالم حكاياتها من التواصل مع الطفل البطل،
والآن مع الطفل المخترع والطفل الرسام لترسخ في الأذهان أن مسرح وميدان البطولة
يتسع لكافة النجاحات في كافة المجالات ولا يستأثر بها عالم الرياضة فقط، ولن تتوقف
عزة أبو العز عند هذا الحد بل ستأتي مع كل يوم بجديد، المهم أن تتهيأ لها النافذة
الإعلامية التي تتيح لها أن تطل على أطفالها بانتظام خاصة وأنه قد أصبح لها قاعدة
عريضة من المتابعين لها من الصغار والكبار من خلال "أجمل الحكايات مع ماما
عزة".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق